عبدالباقي جتو
نحن ندرك جيداً دور وسائل الإعلام من خلال مختلف وسائلها كالإذاعة والتلفاز والصحف والإنترنت, وحجم المسؤلية الملقاة على عاتقها ودورها المهم في بناء المجتمعات والشعوب وكذلك الحكومات والدول, والتي تساهم بدورها في بناء القناعات والمعتقدات وبرسم صور من حولنا وكذلك التأثيرات المباشرة وغير المباشرة في اتجاهاتنا وسلوكنا حيال الواقع, أما إذا اتخذ الإعلام تلك الوجهة المقصودة والتي تعتمد على التقصد والإثارة والتشويه ومرض التحزب والسماح للثقافات الهزيلة والفوضوية الهدامة بالتصدر, فلا شك أنه سيؤدي إلى تخريب وانحلال وبالتالي إلى الكراهية في مجتمعاتها وتشويه قضاياها وثقافاتها وحضاراتها, وليس بعيداً أن تدفع بها في النهاية إلى التناحر والتحارب.
حتى في فترة ليست ببعيدة, كانت حرية الإعلام مقيدة بشكل كبير من قبل النظام السوري ولايزال, بالإضافة إلى تعتيم أو تجاهل أو حتى عدم الإهتمام بشأن الكرد السوريين من قبل وسائل الإعلام الغير كردية, كوسائل إعلام المعارضة العربية السورية والغير سورية, بالإضافة إلى إعلام الدول الإقليمية المجاورة , إلا إذا كانت نشر أي خبرعنهم أي الكرد ستخدم أجنداتهم ومصالحهم السياسية والإقتصادية والقومية, يجب علينا نحن الكرد السوريون أن نعي بأن هذه الإسترتيجية المهمة في المرحلة الراهنة, تستخدم في زمن لايرحم أحداً, والبقاء فيه دائماً سيبقى لإعلام قوي ومتين, ولمن يبرهن قضاياه للأخرين ويقنعهم بأدلة وحجج دامغة.
إن ما توجهه القليل من مواقع الإنترنت والمجلات الكردية حالياً بالرغم من إمكاناتهم المتواضعة, كإعلام مهني وحيادي لايسدّون إلا جزءاً صغيراً من الفراغ وتغطية الأحداث, ولكنهم للأسف يعملون دون إستراتيجية واضحة تخدم الشعب الكردي كشعب, لآن دور المؤسسات الإعلامية لابد أن يتكامل مع دور المؤسسات الأسرية والمؤسسات الأهلية والمدنية, والأسباب دائماً تعود, إلى الإنقسامات المستمرة في صفوف تنظيمات الحركة الكردية السياسية كانت آم الثقافية, وبالتالي لابد أن تتأثر بها شريحة المثقفين والإعلاميين المحايدين أيضاً, أما الأعداد الكبيرة من المواقع الكردية الأخرى, فكل منهم لا يغني إلا على ليلاه ؟!
إن الإعلام الكردي, بحاجة إلى إعلام في مستوى التحديات يرقى إلى تطلعات وحاجيات المرحلة, إلى إعلام منسق وهادف, وإلى المزيد من التوعية لتفعيل الدور الثقافي والتوجه الى اسلوب الإعلام الهادف المحبب وذلك عن طريق طرح أفلام وبرامج وثائقية عن تاريخ الكرد في سوريا والمنطقة ككل, بل بطرق مبتكرة تشد المتلّقي وتجذبه للعمل على خلق برامج بروح شبابية عصرية واعية, وتشجيع الأفكار والمواهب الشابة بدل من تسخيفها وكبتها وخاصة (شباب الفيسبوك) وبالتالي إلى إستثمارها في خدمة المجتمع من النواحي التربوية والتنموية والتثقيفية وتعزيز القيم الإنسانية وتنمية شعور الشباب بالإنتماء لمجتمعه وبالتالي الإرتقاء به إلى المستوى المطلوب, مما يؤدي في نهاية المطاف إلى العطاء والإبداع, ولكن للأسف كل هذا الكلام لن يتحقق دون إقتصاد وتمويل.
إن دور الكتاب والمثقفين في هذه المرحلة الدقيقة أثناء الثورة مهم جداً, يستوجب عليهم بأن يساهموا بقدر كبير توجيه الحركة الشبابية نحو بناء أسس وأفكار ثقافية سليمة واضحة, من شأنها أن تميّز بين الثقافة التربوية النافعة وبين ثقافة الفساد والثقافة المتطرفة بكافة أشكالها, إن دعم الفن والمسرح ضمن هذا الإطار أيضاً مهم, ومساعدة المواهب بعرض أعمالهم وإنجازاتهم من خلال المناسبات الوطنية المختلفة وتشجيعها لابد أن يعطيهم حافزاً بأن ينتجوا المزيد من إبداعاتهم وروائعهم, وبالتالي سيتمكنون بمشاركاتهم هذه, في عملية التطوير التربوي والتعليمي للإنسان بعيداً عن الميول السياسية الطائفية والعنصرية, وأن يعطيهم إحساساً وإنطباعاً بالمسؤلية, وبأنهم معنيين أيضاً بصيانة الأمانة الملقاة على عاتقهم .