في الانشقاق المتأخر..!

  كرم يوسف*

 من المعروف أن الأعذار هي دائماً ثقافة الضعفاء، وهذا لايعني أن لا إنسان، إلا وقد يلجأ إلى استخدام الأعذار -في موقف ما- يواصل علاقاته مع الآخرين، لكن حين يصبح العذر أمراً مرافقاً لكل الأعمال، أو أغلبها، فهذا، ولا شك من مؤشرات ضعف ذلك الإنسان، ربما يكون هذا هو حال المنشقين عن النظام السوري في الفترة المؤخرة من سياسيين، ومسؤولين، وسفراء، وضباط، وعسكريين، إذ أنّ الكثيرين من المنشقين مؤخراً – لا شك قد سمحت لهم الظروف في وقت سابق بالانشقاق عن نظام الأسد – وهم أنفسهم كانوا جزءاً من الآلة التي يضرب بها الأسد الشعب في ثورة كرامته منذ انطلاقتها، بل قبل ذلك،
ناهيك عن أن هدر دم إنسانٍ سوري على يد الجيش الموكل بحمايته، كان كافياً لأن يدفع كل افراد الجيش دون استثناء، إلى إعادة النظر في كل ماهية هذا الجيش، طبعاً نقول هدر دم إنسان واحد بطريقة غير مسوغة، ولاشيء يسوغ هدرالدم طبعاً، ونحن نتجاوز عشرات المجازر كمجزرة كفرعويد، والحولة، والعشرات من أمثال هذه المجازر، بالإضافة إلى دماء الآلاف من السوريين التي باتت تؤرخ بها رزنامة السنة السورية منذ الخامس عشر من آذار من العام الفائت.
سؤالان يفرضان نفسيهما هنا، وبالتحديد للمنشقين مؤخراً، ماذا لو فشلت الثورة السورية بالكامل قبل أن تنشقوا؟ والسؤال الآخر ماذا لو نجحت الثورة السورية قبل انشقاقكم؟
من البدهي أنّ فشل الثورة السورية –لاسمح الله- ما كان ليعطي المجال لهذه الانشقاقات، وتأخر هذه الانشقاقات كان ولاشك من الممكن أن يكون سبباً في تغيير الكثير من المعادلات الخاصة بانتصار الثورة السورية، لن نقول هنا أنّ كل من انشق مؤخراً، أخطأ في تأخر انشقاقه، فالثورة السورية تفتح أبوابها لكل من يتخلى عن النظام قبل سقوطه الفعلي، إذ أن تخليه عن هذا النظام في أي لحظة قبل سقوطه، سيحافظ على دم إنسان سوري على الأقل لامحالة من الهدر، إن لم نقل دم  مجتمع قرية، أوحي، أوبلدة، أومدينة، أو وطن، لأن وجوده مع النظام يقتضي أن يجعله شريكاً في سفك الدم السوري الثائر، أو يبيح هدره في أفضل الأحوال.
ولو تناولنا السؤال الثاني الذي يتعلق بنجاح الثورة السورية قبل انشقاق من انشقوا مؤخراً – ولنأخذ تاريخ هذا الشهر الذي تقارب فيها الثورة السورية السبعة عشر شهراً من عمرها – فإنّنا سنجد أن من انشقوا مؤخراً كان من الممكن أن يقفوا وراء قضبان السجون، ليحاكموا، على اعتبارهم  مشاركين فعليين في هدر دم الثائر السوري المطالب بكرامته، وسوريته.
قطعاً، لا يمكن إغلاق أبواب الثورة السورية، في وجه أي سوري، في أية لحظة كانت قبل سقوط النظام الفعلي، في مقابل ذلك فإنّ للثورة السورية حقاً على كل من تأخر في انشقاقه عن النظام من هو من انشق في قرارته،  أو من ستراوده فكرة الانشقاق، بأنّ حياة السوريين هي عزيزة على قلوب السوريين وأمهاتهم، وهي أهم من المناصب العزيزة على من يريد أن ينشق، و تمنعهم من الانشقاق.
الإشكال الذي يمكن تناوله هنا، هل كان الجيش السوري يوماً ما، منذ استلام الأسد الأب للسلطة جيشاً وطنياً، لا جيشاً رُسخ للدفاع عن عائلة، إذ كانت كل المؤشرات على ذلك، غائبة عن أعيين السوريين الذين يخدمون ويتطوعون  فيه، وهم يجدون كيف أنّ هذا الجيش إدارته موكلة لصالح حفنة بطانة محددة، لخدمة عائلة محددة..
 ألم يكن من الأجدى أن تبدأ الثورة السورية من الجيش نفسه ، لا من الشارع السوري، على اعتبار أن الجيش فقد منذ استلام الأسد الأب للسلطة كل مقومات وطنيته، وأصبح جيشاً ينادي، صباح مساء، بحياة الأسرة الحاكمة؟، حتى أن الفرقة الرابعة التي تعود قيادتها لماهر الأسد، ماعادت تحيي وتمجد اسم بشار الأسد بل تحيي قائدها الشخصي، ناهيك عن صور آل البيت الحاكم، التي أُجبر كل الجنود على تعليقها على صدورهم، إذاً فثمة ذنب كبير على هذا الجيش، وثمة حقوق للشارع السوري كانت في ذمة هذا الجيش، الذي وصل به الحال إلى ماهو عليه، قبل انطلاق الثورة السورية، وأن هذا الجيش الذي خدموا وتطوعوا فيه، كان صمام الأسد الابن في تكريس جبروته على شعبه حتى في ثورته هذه.!
لن يكون تناول الماضي مفيداً، للغرق في الماضي ، لا سيما في هكذا مرحلة حساسة تقتضي من كل السوريين توجيه بوصلاتهم لجهة الغد فحسب، دون أي جهة أخرى، ولن يكون منطقياً إغلاق أبواب الثورة في وجه أي سوري، خاصةً وأن سوريا تعني السوريين ككل، لكن من المنطقي جداً أن تكون هذه الانشقاقات عملية وفعلية ، مؤخراً، وهو سفير سوريا في الإمارات، وزوجته لمياء الحريري سفيرة النظام في قبرص، مالم يكشفا من خلال انشقاقيهما خبايا هذا النظام، أو شيئاً منها .
المعركة على الأرض السورية، ومن دون شك تلزمها أعداد أكثر من أفراد الجيش الحر، وكذلك الأسلحة النوعية، ولو كانت الأعداد والأسلحة كافية، لكانت المعركة حُسمت، هنا ما يمكن لضابط منشق فعله، هو عدم الاكتفاء بالتخلي عن الجيش النظامي، والهرب إلى ماوراء الحدود السورية، وبث شريط فيديو يعلن فيه انشقاقه واكتشافه إجرام النظام بعد سنة ونصف من تاريخ الثورة السورية، بل بإمكانه المخاطرة، ودخول ساحة الحرب كما خاضها منذ بداية الثورة لصالح النظام، وضد الثورة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   يا سوريا، يا رعشة التاريخ حين يختلج على شَفَة المصير، ويا لُغزَ الهوية حين تُذبح على مذبح الشرعية، ما بين سراديب القهر وأعمدة الطموح المتداعية. أنتي ليستِ وطناً فقط، بل أسطورةٌ تمشي على أطرافِ الجراح، تهمس للحاضر بلغةٍ من دمٍ، وتُنادي المستقبل بنداءٍ مختنقٍ بين الركام. أيُّ قدرٍ هذا الذي يجعل من أرض العقيق محرابًا للدم، ومن…

نتابع، في الشبكة الكردية لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، بقلق بالغ تصاعد حالات اختطاف الأطفال القُصَّر، خاصة الفتيات، من قبل ما تُسمى بـ”منظمة جوانين شورشكر” أو “الشبيبة الثورية”. حيث يُنتزع هؤلاء الأطفال من أحضان عائلاتهم ويُخفَون في أماكن مجهولة، دون تقديم أية معلومات لأسرهم عن مصيرهم. لقد حصلنا على قوائم بأسماء عدد من القاصرين والقاصرات الذين تم اختطافهم…

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم منذ سقوط النظام، وشهدت البلاد تحولًا سريعًا- يشبه ما يحدث في الخيال العلمي- وكأنها عاشتها على مدى قرن بل قرون. هذه الفترة القصيرة كانت مليئة بالأحداث الجسيمة التي بدت وكأنها تحولات تاريخية، رغم قصر الوقت. ومع كل هذه التغيرات، تبقى الحقيقة المرة أن السوريين يواجهون تحديات أكبر من أي وقت مضى. بدأت المرحلة الجديدة…

نظام مير محمدي*   في خطبته التي ألقاها الولي الفقيه علي خامنئي بمناسبة عيد الفطر قال وهو يشير الى التهديدات المحدقة بالنظام الإيراني: “يهددوننا بالشر. لسنا على يقين بأن الشر سيأتي من الخارج، ولكن إن حصل، فسيتلقون ضربة قاسية. وإذا سعوا لإشعال الفتنة في الداخل، فإن الشعب الإيراني سيتولى الرد”، وفي کلامه هذا الکثير من الضبابية وعدم الوضوح لأن…