يمكن القول أن من أبرز تجليات تطوير الثقافة السياسية وتحولاتها العميقة ترافقا مع الخطوات والمراحل التي اجتازتها عملية الكفاح الثوري السوري في غضون أكثر من عشرة أشهر هو :
أولا – طوي صفحة الخوف من أجهزة وأدوات النظام القمعية وتصاعد وسيطرة ارادة المواجهة السلمية الشجاعة وبالصدور العارية وثقافة الاقدام والمبادرة بدلا من نزعة التردد وردود الفعل وتجسيد ذلك بالشعارات المرفوعة في الشوارع والساحات .
ثانيا – مواجهة مزايدات النظام اللفظية الممانعة الجوفاء بعد اكتشاف وفضح بنيته الطائفية – العائلية بثقافة وطنية حريصة على وحدة البلاد وسيادتها وتعزيز الوحدة الوطنية والمناداة ببديل ينشد السلم والاستقرار والبناء والتنمية والرد على فئوية النظام وشوفينيته واستغلاله بحزمة من الثقافة السياسية تنم عن أهداف ومبادىء سامية نحو ازالة التميز القومي والديني والمذهبي وتعزيز وحدة المكونات الوطنية واعادة الاعتبار لها وجودا وحقوقا .
ثالثا – تمسك الثورة بثقافة اعادة تعريف الشعب السوري ورؤية الشعب الكردي السوري كقومية ثانية وكمكون وطني أصيل شريك للشعب العربي منذ مرحلة التحرر من الاستعمار مرورا ببناء الدولة السورية وانتهاء بالثورة الراهنة وذلك مقابل سياسة النظام الاقصائية العنصرية المضطهدة للكرد والمتسببة في معاناتهم وتهجيرهم وافقارهم وحرمانهم حتى من حقوق المواطنة وتغيير التركيب الديموغرافي لمناطقهم واعتبارهم عنصرا غريبا في وطنهم .
رابعا – نجاح الثوار بفضل يقظتهم باتباع ثقافة سياسية واعية متجددة ومبدعة في ايجاد البديل الميداني في مختلف المناطق والمدن والبلدات أمام خطط النظام في توسيع وتيرة اصطياد القادة الميدانيين قتلا واعتقالا واختطافا كوسيلة لقطع جذور الثورة ووقفها وارباكها .
خامسا – اتباع الثوار لتقليد ثقافي ديموقراطي في التوافق على تسمية أيام الجمعة بصورة موحدة بعد الاستفتاء على عدد من المقترحات .
سادسا – عدم ارتهان الثورة لفصيل سياسي معارض في الخارج بعينه بل مراقبة أداء جميع الأطراف التي تدعي المعارضة أو التمثيل الشرعي الوحيد وهذا مايفسر مضمون الشعارات المرفوعة في التظاهرات والتي تتبدل بين جمعة وأخرى وحتى بين صفوف المتظاهرين وهذا يعبر عن ثقافة سياسية واقعية مستقلة تضع مصالح الشعب وثورته قبل أي شيء آخر .
سابعا – مواكبة ثوار الداخل لتطورات المواقف الاقليمية بما فيها الجامعة العربية والدولية وتحديد الخطوط الحمر وابداء وجهات النظر حول كل حدث يتعلق بالقضية السورية ومايصدر عنهم خير تعبير عن الموقف الأسلم والأكثر صدقا وهو ليس الا ظاهرة ثقافية سياسية سليمة دشنتها الثورة وأبطالها دبلوماسييون شباب في عمر الورود اكتسبوا الخبرة في الميدان وعبر وسائل المعلوماتية الفيسبوكية .
ثامنا – أفرزت الثورة السورية نوعا جديدا من العسكريين في صفوف ” الجيش الحر ” بخطاب متجدد وثقافة سياسية ثورية منحازة للشعب ومعبرة عن مصالح الشعب وموعودة بحماية الشعب ومكتسباته فور سقوط النظام وذلك مقابل ثقافة جيش النظام العقائدي الحامي له ولمصالحه ومؤسساته القمعية وقاعدته الاقتصادية .
تاسعا – توسع الادراك الثقافي السياسي للثوار في الداخل بحيث يمكنهم من فرز الصالح من الطالح من بين المنظمات والأطراف والجماعات والأشخاص المحسوبين على المعارضات وتفهم دوافع الملتحقين حديثا بصفوف الثورة بعد تردد دام عشرة أشهر مع الحذر منهم وعدم السماح لهم لتبوء مواقع القرار وكذلك اكتشاف من يتذرع بمقولات الحفاظ على بنية الدولة تمهيدا لانقاذ رأس النظام ومؤسساته القمعية والقدرة على فك طلاسم العبارات الغامضة واللعب بالمصطلحات من جانب من هو متواطىء مع أجهزة النظام من أحزاب وجماعات وافراد وبذلك يكون الثوار قد تسلحوا بثقافة سياسية يقظة وحذرة خاصة في ظروف الثورة والمراحل الانتقالية .
عاشرا – الثقافة السياسية الوحدوية هي السائدة في أوساط الثوار بعكس ظروف الشقاق السائدة في الوسط السياسي المعارض وخاصة خارج البلاد وهو تناقض يحتاج الى معالجة عاجلة وكنا دعونا اليها في مبادرتنا الوطنية لتوحيد المعارضة السورية منذ حوالي ثلاثة أشهر ومازلنا في الطريق لتحقيقها بالسبل الأكثر موضوعية وفائدة .