هذه الأمة التي لطالما رفعت رؤوساً لا عماد لها، و أخفضت أُخرى دون أن تهتم بما فيها، و لم تترك شاردة و واردة إلا و أبدعت فيها، قررت اليوم خوض أم المعارك على عدوها اللدود بعد أن شخصته، و أعدت الخطط لحربها، إذ لا مندسين لديها يتصيدون في مستنقع النظام أو يسبحون فيه، لا شبيحة من بين صفوفها و لا من يحزنون، صفحتها ناصعة البياض.
خلال بضعة أشهر إنقلبت الأُمة على طبيبها المفوه فسحبت منه لقب الدكتوراة، و حولته ليس إلى شخص عادي فحسب، بل إلى ممثل لا يمثلها و لا يمثل حتى نفسه ككُردي، بعد أن كان نجم كل المناسبات، يتنازع الجميع على الفوز بصورة معه، أو له و عليها (أوتوغرامه) الغالي.
كان كل شئ (أوكي) و عال العال، كانت الأمة (واثق الخطوة يمشي ملكاً)، تسيرُ من نصرٍ إلى نصر، إلى أن خرج من بين ظهرانيها من يشق الصفوف و يفرق الجماعات، و لا يلتزم بالميثاق (المللي) الكُردي.
لكن ما الذي حدث حتى جعل الأُمة تنقلب هكذا رأساً على عقب على واحدٍ من أبناءها المدللين و تدير له ظهر المجن؟ لا يهم، المهم أن الأمة تدرك حجم التخريب الذي كان يمارسه عبدالباسط سيدا، و دوره في مصائبها، بدءاً من أول إنشقاق ضرب أول حزب كُردي إلى ما تلاه من إنشقاقات حتى أصبح العدد يتجاوز الثلاثين و ربما الأربعين، إلى دوره الحالي كحصان طروادة يستخدمه الأعداء في خرق حصون الأُمة الواحدة الموحدة تمهيداً لتشتيتها إلى ملل و نحل، و هي التي كانت على مدى تاريخها واحد واحد واحد.
عبدالباسط سيدا مُدان و ليس مُتهم، لا يحتاج الأمر إلى سماع دفاعه، فكل شئ واضح، قالت له الأمة أترك (المجلس) فركب رأسه و عاند، و قد أزال ذلك عنه القناع، و أسقط رداءه الأبيض، و الأمة عندما تصدر قرارها فإنها لا تمزح، إنه قرار نهائي، ليس من مقتضياته سماع المحكوم عليه مهما كانت لديه من أدلة معاكسة، فالأمة لا تخطأ أبداً، حاشى لله.
لو لم يكن عبدالباسط سيدا موجوداً، لو كان عبدالباسط سيدا عربياً، لبحثت الأمة في جينات الجهة التي ينتمي إليها الآن بحثاً عنه، و إذا كانت ستعجز، كانت ستصنع واحداً لإتخاذه شماعة تعلق عليه أخطائها و خيباتها و إنشقاقاتها و تشتتها.
الأُمة عرفت اليوم من أصابها في مقتل، إنه عبدالباسط سيدا، و إعتباراً من هذه اللحظة، لحظة إكتشاف الخيانة، ستعود إليها طُمأنينتها و هدوءها و وحدتها و كل شئ جميل و مثالي فيها ألف مبروك.
عن صفحة حسين جلبي: