إبراهيم اليوسف
كثيرة جداً، هذه الأسماءُ، أسماءُ رسل الخلاص الحقيقين، الذين يصنعون-الآن-مجد سوريا الجديدة، ويرسمون ملامحها، فهم القادة الميدانيون، و الأبطال الذين يواجهون الرَّصاص، واقعاً، وليس عبر صور شعرية، أو خطبة نظرية، رنَّانة، غالباً كانت هي الأصل في كل الهزائم التي مُني بها بلدنا، ومن بين هذه الأسماء” خالد أبو صلاح” الطالب الجامعي، العشريني، الذي بات يختزل صورة رجل الثورة الحقيقي، في ذاته، فهو البطل في الشارع، والسياسي في الميدان، والقائد في المواجهة، والسفير للثورة، والصحفي العملاق الذي ينقل صوت الثوار إلى العالم كله، مواجهاً كتائب النفاق الإعلامي، وهو أحد من ينطبق عليهم القول” الفرد الذي يهزم آلة الإعلام المزيفة”، من خلال فضح أكاذيبها التي حيرت العالم عبر عقود، ولا يزال هناك من يستمرىء خديعته، كما يفعل بعض القيادات البائسة في روسيا، ممن اندحروا في عقر دارهم، بعد بيعهم أمجادهم التليدة، كي يسرقوا–الآن- خيرات بلدنا، كشهداء زور يولغون في دماء أبناء سوريا الجريحة.
وإذا كان كل الغيارى على الثورة، رأوا في إيفاد بعثة المراقبين التفافاً على الثورة، ولعبة ديماغوجية تنمّ عن محاولة الجامعة العربية عن حرصها على عدم افتضاح عنانتها، وعجزها، عن تسمية الأشياء بأسمائها- لاسيما وأن هذه الخطوة جاءت بعد” تجميد عضوية سوريا فيها-فإن الجهة صاحبة القرار فعّلت هذه العضوية (وبأي منطق وقانون جرى هذا؟؟) وهنا مكمن الغرابة والفضيحة.
فكأني بأبي صلاح قال في نفسه: سأتابع الكذاب حتى باب داره، حين قام بأعمال خارقة، وهل من معجزة أكبر، من أن يقوم هذا الفتى المقدام، بالوصول إلى بعثة المراقبين، وإجبارهم على أن يتوجهوا للوقوف على حطام، وأطلال، بعض الأحياء الدارسة التي تقول صراحة: ثمّة حرب عظيمة، مرَّت من هنا، وليقدِّم الأدلة القاطعة، على شكل صفعات على وجوه المهرِّجين القتلة، وأتباعهم من شهود الزور، على أن هذا الخراب تمَّ بسبب آلة حرب النظام الدموي، وإن ذلك، لم يتم بسبب قذائف إسرائيلية، بل ليشير في حضور هؤلاء الشهود، المؤتمرين بتوجيهات محمد الدابي، إلى قنَّاصة، ورماة حواجز قائلاً: هذا الذي قتل..!، أو ذاك الذي فعل كذا..!، وأن يعترف أحدهم قائلاً: أجل، تأتينا أوامر بإطلاق النار، ليرمي بزته العسكرية، جانباًًًًًًًًًً، معلناً انشقاقه عن قادة جيش يؤمر بقتل أهله.
أو عندما يعدُّ تقريراً عن حادث استشهاد هذا، أو ذاك، مبيناً أن قاتليه هم الأمن وشبيحتهم، وإن الأكثر مدعاة للعجب حين يصور هذا الساحر، ببطولاته، مظاهرات حي حمصي، كبابا عمر، وهو تحت القصف، من دون أن يستعين بخبير استراتيجي، أو عسكري، أو عرافَّة، فلا يواري ولا يوارب ملامح المكان الذي يلتقط صوره عبر بثِّ حيِّ، على إحدى الفضائيات، يرقص خلال اللقطات أبناء وبنات حمص، مشيعين هذا الشهيد أو ذاك، إلى مثواه الأخير، بينما القذائف تستهدف المكان، والرصاص ينهمر، مدراراً، نيابة عن المطر، كي ينتقل بعد ذلك إلى حي آخر، فآخر، يتابع التصوير، بوساطة هاتفه المحمول، مخترقاً الحواجز التي لا تسمح حتى للطيور بالتحليق في سماء المكان، فيكون المصور الصحفي البارع، بل المذيع، و الفدائي،” القبضاي” الذي يشدّ المراقب، رهن التدريب، من ياقته قائلاً له: أن اشهد وافتح كلتا عينيك، ولا تغمضهما عن الحق..! ، مقدِّماً له الحجَّة تلو الحجَّة، ببراعة عبقريِّ فذِّ.
وهل أشير إلى لقطة أخرى، هي أن أبا صلاح استطاع، وبوجهه المكشوف، ولباسه الذي لا يغيِّره-ربما إلى أن تحقق الثورة النصر- أن يؤدي دوراً رمزياً، هو إعادة دبَّابة استولى عليها الجيش الحر، إلى” الجيش المأمور بأداء مهمَّة إبادة الشعب، وذلك تنفيذاً لمادة رئيسة من نص البروتوكول تتعلق ب” إنهاء المظاهر المسلحة”ليبرىء “جانب” الجيش الحر، ويؤكد للجامعة العربية، وللعالم، أن من لا يوقف المظاهر المسلحة هو” النظام” الدموي، لا سواه..!
بدهيٌّ، أن في ما أوردته هنا، عن الرَّجل، حفيد ابن الوليد، بتسرة لنضاله الذي يمكن أن يكتب في أكثر من مجلَّد، وهناك عشرات القصص البطولية التي قام بها، مؤدياً دوره، على أعظم نحو، ليكون أكثر من رجل، بل أمَّة في رجل، وهو شأن الملايين من شبابنا الذين يواجهون أشرس آلة قتل في العصر على الإطلاق، وكأنِّي بأبي صلاح أحد رموز الثورة، حقَّاً، مادام أنَّه قادرٌ أن يؤدي دوراً رمزياً عظيماً للجامعة العربية، يمكنها أن تعتمد-لو أرادت-على تقاريره، وحدها، كي تصل إلى البراهين التي أرسلت مئات المراقبين إلى سوريا، من أجلها، فتحسم الأمر، بصوت عال، وتوفر أرواح، ودماء، خمسمئة شهيد بريء، بيد أنها لم تفعل ذلك، للأسف…!
elyousef@gmail.com