مؤتمر هولير: بمنتهى الصراحة، بمنتهى الصفاقة

حسين جلبي

تابعت عن بُعد، عبر الإعلام، أخبار مؤتمر الجاليات الكُردية السورية في الخارج المزمع عقده في أقليم كُردستان ، إلى أن وجدت نفسي و قد سقطت في شباكه، عندما بُلغت بأنه تم ترشيحي لحضوره، لذلك رحت أتسقط أخباره، و لكني بقيت أترفع عن التواصل مع اللجنة التحضيرية، رغم علمي بأنهم قد طلبوا من أحد الأصدقاء رقم هاتفي للتواصل معي، لكي لا أُمارس ضغطاً من أي نوعٍ كان، و لكي لا تُمس كرامتي، من أيًّ كان.
و قبل أن أغوص في التفاصيل، أود أن أشير، إلى أنه قد يقول قائل، بأني لو دُعيت لحضور المؤتمر العتيد، لما كان هذه المقال، نعم أعترف بذلك، و لكني أضيف، إلى أن المقال لم يكن سيصدر الآن، بل كان سيتأخر فقط إلى ما بعد نهاية المؤتمر، حتى ألم بتفاصيله، و ليكن أكثر شمولية، و موضوعيةً، يتضمن مشاهداتي من عين المكان، و لمن يشك في مصداقيتي أُحيله إلى كتاباتي بإتجاهاتها الحالية، المنشورة على عشرات المواقع الكُردية و العربية، و التي بدأتها بمقال: ( لم يَعُد للدكتاتورية ذلك البريق)، المنشور في الأسبوع الأول لبدء الثورة، على تلك المواقع و منها موقع إيلاف.

 

و لجملةٍ من الأسباب، منها تأنيب الضمير، لعلمي بأن قيادي في أحد الأحزاب الكُردية، قد عبر الحدود إلى كُردستان خلسةً، و كأنه يحمل حزاماً ناسفاً، أو بصدد الإقدام على عملية إنتحارية، مع أنه كان يحمل في (عبه) إسمي من ضمن العديد من الإسماء كمرشحين محتملين لحضور المؤتمر، قيل بأن حظوظها تقارب التسعين في المائة، و كذلك بسبب إصرار بعض الأصدقاء الذين رشحوني لحضور المؤتمر، و بسبب قرب موعده، و إرتباطي بمواعيد عمل خلال فترة إنعقاده، و لم أعد أعلم هل أُلغيها أم أُبقي عليها، و لأن المؤتمر حسب فهمي البسيط، ليس مجرد رحلة مدرسية، بل عمل جدي يتطلب التحضير الجيد له، كما أن السفر يستوجب الحجز المُبكر لعدم وجود طائرات (هوب هوب)، و لعل آخر الأسباب هو تشديد أحد الأصدقاء علي، و هو يزودني برقم هاتف أحد أعضاء اللجنة التحضيرية، بالإلحاح علي للإتصال به، قائلاً بمحبة، و كأنه يقرأ أفكاري في تلك اللحظة، التي كانت تدور عن النقد الذي لم أوفر به أحداً، أنه أخبر ذلك العضو بأني أُمارس أحياناً كتابات نقدية، فرد عليه الأخير قائلاً أنه يسعدهم أصلاً أن يحضر المؤتمر من يمارس النقد.
فقلت لنفسي، لهذه الأسباب كلها، أنه يجب أن أحسِم الأمر، إندفعت و أنا تحت تأثير المُخدر الذي سببه كلمات صديقي الكاتب بطلب الرقم، إتصلت بالرجل، عضو اللجنة التحضيرية، و كان بمنتهى السعادة و أنا أُعرفه نفسي، و كأنه كان بإنتظاري، و قابلني و الحقُ يُقال بإحترامٍ شديد، أخجلني و هو يشيد بما أكتب، و شدد على متابعته لكتاباتي، حتى أشعرني بأنه من تلاميذي النُجباء، و قد أخبرني بأن ثلاثة إلى أربع جهات قد رشحتني للحضور، و بأنه سيعرض أسمي على زملائه في إجتماع الغد، و على الأغلب ستتم دعوتي، و سيتصل بي لذلك، و أخبرت الرجل، الذي ألقيت، بسبب دماثة خلقه، هواجسي جانباً، بأني لا أبغي من الإتصال فرض نفسي عليه، و ممارسة أي ضغط أو إحراج، و إذا لم أكن جديراً بحضور المؤتمر فلا بأس، و لكن ذلك زاد من منسوب مديحه لي، فشعرت بأني قد بالغت في تواضعي، و هضمتُ دون داعٍ بعض حقوقي، و هكذا تودعنا، لا يكاد أحدنا يسمع ما يقوله الآخر، و كلانا يحاول أن ينتهز الثواني الأخيرة من الإتصال للإشادة بالآخر، على أن يتصل بي لاحقاً في الغد.
هكذا بدا الأمر إذاً، رشحتني ثلاثة إلى أربع جهات لحضور المؤتمر، و يقتحم أحدهم الحدود حاملاً أسمي، ثم يضع أحدٌ ما، الفيتو على أسمي، و لا أحد يتنازل و يتصل بي ليخبرني بشئ.
فمن الذي قام بشطب إسمي، من هو البديل الذي حضر عني، أو الذي أخذ مكاني، و تركني معلقاً، ممنوعاً من دخول كُردستان، و حضور المؤتمر العتيد؟
قلت لنفسي لأعبث قليلاً مع غوغل، أدخلت أول أسمين من أسماء اللجنة التحضيرية في محرك البحث، و كانت النتيجة:
أُتهم أحدهما، منذ عدة أعوام، من قبل الطلبة الكُرد السوريين الدارسين في إقليم كُردستان، بالقيام و لمدة طويلة، بإختلاس أموال المِنح التي خصصتها لهم حكومة الإقليم، كانت تلك الحفنة من الدولارات ستسهل كثيراً من مصاعب الحياة الدراسية لهؤلاء الطلبة، و قد أخذت القضية صدىً كبيراً في الإعلام، عجز فيها المتهم عن الدفاع عن نفسه و تبرئة ساحته، و راح يتقاذف التهمة مع شخصٍ آخر مسؤول عنه في حزبه، إلى أن ميعا القضية، بعد تهديدهم للطلبة بما هو أعظم.
العضو الآخر، ذهب إلى كُردستان ممثلاً لحزبه، من ضمن وفد مكون من ممثلي عدة أحزاب، كانت الزيارة مهمة حزبية لمدة محدودة، و لكن الرجل سال لعابه لحُسن الإستقبال، و راح يبحث عن وسيلةٍ للبقاء في الأقليم بأي ثمن، من خلال طرق أبواب رزق مختلفة، و هنا قام حزبه بتجميد عضويته، فكان أكثر فهلوةً من الحزب، إذ أعلن عن إنشاء حزب مكون من شخصه الكريم فقط، و راح يطرق الأبواب مجدداً، إلى أن توصل إلى إتفاق مع حزبٍ له بعض الحظوة في الإقليم، يضم بموجبه حزبه العملاق إلى الآخر المحظي، على أن يستلم مهمة رئيس المكتب الإعلامي للحزب الجديد، و الأهم الحصول على الإقامة في الإقليم، و هكذا قام بكل بساطة بتغيير خانة الحزب في هويته الشخصية.
أما أهم إنجازاته القومية منذ ذلك الحين، فهي أنه و بسببٍ من غرامه الشديد، على ما يبدو، بالأمثال الشعبية، تراه بين فترةٍ و أخرى يخرج علينا بأحد الأمثال جاعلاً منها عنواناً (لمقالة)، إما عن تركيا أو إيران أو لبنان، دون أن يقترب من حدود سوريا، و يروح يعزف بهذا العنوان لحناً نضالياً على الربابة، متخيلاً نفسه و قد أصبح به مناضلاً لا يشق له غبار، من وزن غيفارا، مانديلا أو شفان.
أوردت سيرة شخصين فقط من الأمناء على المؤتمر، و بالتالي القضية، ليس للتشهير، معاذ الله، فأنا لم أذكر أسماءً، و لا شئ يُخجل أصلاً بنظر هؤلاء، و لكن عسى أن يتمكن السُذج، من أمثالي، في يومٍ من الأيام، من إتخاذهم أمثولةً، في الشطارة، قد نتمكن، إذا ما سرنا جميعاً على دربهم، من تحرير و توحيد كُردستان.
و هكذا، إذا كان رب البيتِ بالطبل قارعاً، فمن سيكون يا ترى مدعواً إلى الرقصِ؟
بعد أن قدمت صورةً عن بعض شؤون اللجنة التحضيرية، يصبح السؤال عن كيفية وصولها إلى أمثال هؤلاء المدعوين غير ذي جدوى.
مع الإحترام للقلة القليلة التي لا أعرفها، فإن معظم الذين سمعت بأسماءهم، ليس لهم للأسف وجود على خارطة الحراك السياسي، قسم منهم يعمل بأسلوب الخلايا النائمة، يتم إيقاظه فقط لمثل هذه المناسبات، و القسم الآخر أعظم نضالاته، هو قيامه بتدوين برقية تعزية هنا، أو تعليق على خبر وفاة أحدٍ ما هناك، تنشره بعض مواقع النت، شريطة أن لا يكون المتوفي شخصية سياسية، لكي يتجنب إغضاب السلطات، و للبعض الآخر نشاطات إجتماعية كحضور مجالس العزاء، أو الأربعينيات، أو الولائم في الصالونات المغلقة التي لا أحضرها، و ليس لأيٍ منهم أيُّ أثرٍ ثقافي شفاهي أو مكتوب، أو حضور في مظاهرة، و الكلام هو طبعاً منذ بدء الثورة..
يذهب مدعوي اللجنة التحضيرية المناضلة إلى المؤتمر و على جدول أعمالهم نقطتين لا ثالث لهما: الأولى الإلتقاء بالرئيس مسعود البرزاني أثناء حضوره لأفتتاح المؤتمر، و السعي بأقصى قوة لمزاحمة بعضهم البعض لأخذ صور تذكارية معه، يتم إبرازها فيما بعد كهوية وطنية، و دليل على العلاقات الرفاقية و الكفاح المشترك،  النقطة الثانية هي الحصول على (دفتر) أسوةً بالسادة الأفاضل الذين سبقوهم إلى ذلك، و سنوا بذلك سنة حسنة (قد تكون لهم نسبة مئوية من أجرها)، و ذلك كبدل أتعاب و تعويض عن تركهم لأعمالهم المهمة.

أما أعمال المؤتمر و بيانه ـ الذي ربما يكون قد كُتب و إنتهى ـ فليس له أية أهمية.
قد يكون السؤال عن الشفافية في مثل هذا الحدث الكبير الذي قزمه هؤلاء جميعاً متأخراً، بل ليس على سلم الأولويات أصلاً، ألم يكن واجباً إن تكون هناك معايير علمية لإنتخاب أعضاء اللجنة التحضيرية، و أن تنشر أسماءهم و سيرهم الذاتية و كفاءاتهم، و أن تضع اللجنة بدورها شروطاً صارمة لإختيار المدعوين، و ذلك حسب الأنشطة التي يقوم بها الشخص، الذين يجب عليه التعريف بنفسه و بالأعمال التي قام بها، خاصةً بعد بدء الثورة، على ألا تعتبر العضوية الحزبية أفضلية، إذا لم تكن مقرونة بأعمال على أرض الواقع.

و ليس من داعٍ للتذكير بإنتفاء المحاذير الأمنية، فالمؤتمر يُعقد في الخارج، و المفترض بالمندوبين أنهم ممنوعون من دخول سوريا ـ و هذا غير صحيح للكثيرين طبعاً ـ ثم أن هناك مؤتمراً آخر سبقه في الوطن، و قد إنعقد بسقفٍ مرتفع، و من جهةٍ أُخرى فإن هؤلاء ليسوا بأحسن منا نحن الناشطون، الذين وضعنا أنفسنا و أهالينا في مخاطر بسبب مواقفنا و أنشطتنا.
لو كنت مسؤولاً في إقليم كُردستان، (لو كان عندي منصب، لكنت لوحت الإستقالة) في وجه هؤلاء، أعضاء اللجنة التحضيرية، و تركتهم دون غطاء، يفعلون ما يشاؤون، في مؤتمرهم الهزيل القادم، الذي هو مؤتمر تفريق لا لم شمل، سيخلف سُحب قاتمة من الدخان خلفه، في الوقت الذي كان يجب عليهم، و على من يقف خلفهم، قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة، بهذه الصورة المؤسفة، التركيز أولاً على مؤتمر القامشلي الذي إنعقد، و لم تنتهي شجونه بعد، و ذلك بالعمل على تصفية الأجواء التي لم تهدأ بعد منذ إنعقاده، و لكني إنسانٌ حر، مُستقل، يسعى وراء الحقيقة، و ينصر دماء الشهداء، التي تحتاج إلى تطهير الحركة، (دار دار، بيت بيت، زنقة زنقة)، من الأخطاء.
jelebi@hotmail.de

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…