وفيما يلي نص الحوار:
* عندما دخلنا إلى أربيل عبر مطارها الحديث، شعرنا كأننا في دولة أخرى، فهل أنتم ذاهبون للاستقلال كدولة؟
– نحن كنا مستقلين قبل عام 2003.
إذ كانت لنا حكومة ومؤسسات حكومية، وحتى العملة التي كنا نستخدمها كانت تختلف عما يستخدم في باقي مناطق العراق وقتذاك، لكننا بعد سقوط النظام عدنا برغبتنا إلى بغداد على أساس العمل وفق الدستور الذي صوت له أكثر من 80% من الشعب العراقي.
أعدنا بناء العراق على أساس ثلاثة مبادئ أساسية: أولا الشراكة، والمبدأ الثاني هو التوافق، وثالثا المشاركة في القرار السياسي، ومنذ ذلك الوقت عملنا ما في وسعنا لحماية وحدة العراق.
أعدنا بناء العراق الجديد ونحن شركاء في هذا البناء، نحن لسنا خارج هذه المسيرة.
دعني أعطك مثالا على ذلك، عندما كانت الأوضاع الأمنية سيئة في بغداد قمنا بإرسال قواتنا الأمنية والبيشمركة لتأمين الأمن وحماية بغداد.
أستطيع القول بكل ثقة إننا عملنا ما في وسعنا لحماية وحدة العراق.
* كيف وصلتم إلى هذه النتيجة من التقدم والبناء؟
– ما تشاهدونه من تقدم اليوم في إقليم كردستان جاء نتيجة الحرية الموجودة في الإقليم، نحن نؤمن بأن الشعب العراقي عانى الكثير من الويلات ويستحق وضعا أفضل مما هو عليه.
اليوم إقليم كردستان، كجزء من العراق، شهد تطورا وتقدما كبيرين، ولكن هناك الكثير مما يجب أن نعمله.
الأمر المهم في العراق هو أن تتوافر لدى السياسيين رؤية واضحة لكيفية خدمة المواطنين في عموم العراق، ونحن برغبتنا وعلى أساس الدستور قررنا أن نكون جزءا من هذا العراق الديمقراطي التعددي.
* بشكل مختصر، ما أسباب الأزمة بين بغداد وأربيل؟
– أي أزمة؟ دائما هناك أزمات.
* الأزمة الأخيرة أعني؟
– تعرف أن الأزمة تبدأ من طريقة التفكير في بغداد، نحن قلنإ أننا بدأنا ببناء العراق الجديد وفق المبادئ الأساسية الثلاثة التي ذكرتها، ومع الأسف في بغداد هناك انتهاكات لهذه الأسس، وسؤالنا لبغداد هو: هل نحن شركاء في الحكم وصناعة القرار السياسي أم لا؟ ولكن، مع الأسف، فإن سياسة رئيس الوزراء (نوري المالكي) والمسؤولين في بغداد ليست سياسة تفاهم، بل هي سياسة سيطرة وهيمنة، وهذا غير مقبول بالنسبة لنا، كما أنه غير دستوري.
لم نبن العراق الجديد – ولم نتفق – على أساس أن يذهب ديكتاتور ويأتي ديكتاتور آخر يحل محله، ومشكلتنا تكمن في كيفية تفكير الحكومة ببغداد في التعامل مع إقليم كردستان.
الأزمة تكمن في بناء الثقة فيما بيننا وأن نتعامل وفق هذا المبدأ، وأن تتصرف بغداد معنا باعتبإرنا شركاء، نحن شركاء في بناء هذا العراق، هذا باختصار لب المشكلة.
أقول بصراحة، ليس هناك أمل في بناء دولة مدنية ما دامت بغداد تدعم فكرة عسكرة الشارع العراقي، فالشعب العراقي عانى الكثير من الظلم والاستبداد من جراء العسكرة.
* أليست هي مشكلة مالية؟
– ليست هناك مشكلة مالية، وحتى لو كانت هناك مشكلة من هذا النوع، وهي غير موجودة أصلا، فإنه يجب ألا تتحول إلى أزمة بين بغداد وإقليم كردستان، لأن العراق بلد غني، وباستطاعة الحكومة الاتحادية أن تحل مثل هذه المشاكل.
* هل تعنون أن المشكلة لا تتعلق بالموازنة العامة ومبلغ الـ4 مليارات دولار كاستحقاقات لشركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم؟
– أبدا..
أبدا..
لننظر إلى قانون الموازنة فيما يخص أقلم كردستان، أنا لا أسميه قانون الموازنة المخصصة لإقليم كردستان، بل أسميه قانون العقوبات لإقليم كردستان، هل يعقل أننا بدلا من أن نكون شركاء في بناء هذا البلد يكون هناك قانون عقوبات؟ القانون يقول إنه إذا لم تقم حكومة إقليم كردستان بكذا وكذا، فإننا سنعمل كذا، لهذا أنا أسميه قانون العقوبات، كمثال: إنهم يقولون حول كابل الاتصالات إذا لم نقم نحن بما هم يريدونه، فإن من حق الحكومة الاتحادية قطع الكابل عن الإقليم.
كيف ستكون هناك مشاركة مع بغداد إذا كانت الحكومة الاتحادية تتعامل بالإكراه مع الإقليم؟ عندما نتحدث عن مستحقات شركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم، فأنا أقول بصراحة: أولا، نحن ملتزمون المبدأ القائل بأن النفط هو ملك للشعب العراقي.
ثانيا، أن ما نطلبه هو مستحقات هذه الشركات الأجنبية ولا علاقة لها بإقليم كردستان، بل إن هذه الشركات تعمل بالإقليم.
ثالثا، أن ما يصدر من النفط يعود لصالح العراق، وحتى الآن قمنا بتصدير 76 مليون برميل نفط، وعائدات هذا النفط تذهب إلى خزينة العراق أي إلى الحكومة الاتحادية، ولم نأخذ كحكومة إقليم أي شيء من هذه العائدات، صحيح أن النفط المصدر من الإقليم لكن العائدات كانت للجميع، هناك سوء تفاهم بسيط، وعلى بغداد أن تحل هذه المشكلة، يجب أن يتم دفع مستحقات هذه الشركات وفق برنامج شفاف وبصورة منتظمة.
ما سياسة بغداد؟ سياستها هي أن الحكومة الاتحادية لا تريد أن تدفع مستحقات هذه الشركات من أجل إفشال السياسة النفطية لحكومة كردستان، لتقول للجميع إن حكومة إقليم كردستان فشلت في السياسة النفطية، وإن هذه السياسة تأتي من أجل أن تثبت أن كردستان ليس لديها أي طريق لتصدير النفط.
* وماذا عن أنبوب النفط الرابط بين إقليم كردستان وتركيا؟
– الموجود حاليا هو أنبوب النفط القادم من كركوك ليمر عبر أراضي كردستان إلى ميناء جيهان التركي، هذا ما عندنا الآن.
* تحدثتم عن الاستقلال الاقتصادي لإقليم كردستان، ماذا تعنون بذلك؟
– كما أسلفت، فإن قانون الموازنة للإقليم هو قانون عقوبات، لذلك نحن نريد أن تأتي ميزانية الإقليم بشكل شفاف وبعيدا عن كل أنواع التهديد، وأن تكون كمنحة مثلما يحدث في باقي الفيدراليات في العالم، وبغداد لا تتصرف معنا هكذا مع أننا – وحسب الدستور العراقي – إقليم فيدرالي، والعراق الجديد، وحسب الدستور، تعريفه (بلد تعددي ديمقراطي فيدرالي)، بينما تتصرف بغداد معنا مثلما تتصرف مع محافظة صغيرة تابعة للحكومة الاتحادية، بينما هذا الموضوع دستوري، ونحن نريد من الحكومة الاتحادية أن تتصرف معنا وفق هذا الدستور، ويجب على بغداد أن تتعامل معنا على أساس فيدرالي وليس وفق أساس مركزي قوي بحيث تسيطر على كل شيء، نريد تغيير هذا التفكير وهذه النظرة التي تتعامل وفقها بغداد معنا.
* لكن هذه المشكلة، وبالإضافة إلى مشاكل وأزمات أخرى، كانت موجودة بين بغداد وأربيل منذ حكومة المالكي السابقة، فلماذا عملتم على تنصيبه رئيسا للوزراء مرة ثانية حسب مبادرة رئيس الإقليم مسعود بارزاني أو ما عرف باتفاقية أربيل؟
– بالنسبة لنا، كان – ولا يزال – موضوع الاستقرار السياسي في العراق في مقدمة أولوياتنا وتفكيرنا، وكانت هناك قناعة بأننا نستطيع حل هذه المشاكل بوجود دولة رئيس الوزراء نوري المالكي، ولكن القلق الموجود من سياسة رئيس الحكومة الاتحادية ليس من قبل الأكراد فقط، بل من قبل العرب السنة والشيعة، فكل هؤلاء اليوم لهم مشاكل معه، والمشكلة الأساسية هو أن المالكي لم يستطع أن يتصرف باعتباره رئيسا لوزراء العراق ككل وأن يهتم بكل مناطق العراق.
* لكنكم جربتم سياسة رئيس الوزراء نوري المالكي سابقا وكنتم تشكون منها؟
– طبيعة الظروف في العراق تدفعنا أحيانا للتصرف بما لا نشتهي، والأوضاع جعلت بعض الأطراف تقتنع بإعطائه فرصة ثانية، لكن ما يحدث لم يكن في الحسبان.
* هل تعتقدون أن سياسات حكومة المالكي تدفعكم للاستقلال والانفصال عن العراق؟
– المعروف أن بقاءنا ضمن العراق كان – ولا يزال – طوعيا، آمل ألا تكون نتيجة سياساته ذلك، دعني أقول لك بصراحة: نحن لسنا عربا، بل نحن أكراد؛ ثقافتنا ولغتنا وتاريخنا يختلف عن الأمة العربية، نحن أمة كردية، لكننا اخترنا أن نبقى ضمن العراق الموحد بإرادتنا، ولكن وفق الدستور، ونجد أنه من مصلحة الأكراد أن نبقى ضمن عراق واحد فهذه سياسة معلنة، سواء من قبل حكومة إقليم كردستان أو القيادة الكردستانية، ونحن ملتزمون هذا المبدأ، ولا أتصور أن المالكي يدفعنا إلى الاستقلال، إذا كانت تصرفاته لغرض دفعنا للاستقلال فكيف نفسر الوضع مع السنة؟ المشكلة تكمن في أنه (المالكي) لا يتصرف باعتباره رئيسا لوزراء العراق، والأكراد لا يريدون الانفصال.
العراق دولة غنية والأكراد يريدون أن يتمتعوا بحقوقهم ضمن إطار العراق الاتحادي ووفقا للدستور.
طبعا، لا شيء يلغم المشاريع والسياسات أكثر من أحادية التفكير كما يمارسه اليوم رئيس الحكومة في بغداد لينتقص من شأن الآخر المختلف معه، وإن ادعاءه احتكار مفاتيح الحلول وأبجدية الوطنية يغدو مشكلة ولغما ينتظر ساعة الانفجار، ويعود الضرر بالتالي عليه وعلى عموم العراق.
* لكن أحد نواب ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي دعا الأكراد إلى الاستقلال.
– العراق ليس حكرا لفئة أو لهذا الشخص أو ذاك، العراق هو عراق الجميع، ومثلما يرون أنفسهم مسؤولين عن الأوضاع في العراق، فنحن أيضا مسؤولون عن العراق، بل على العكس نحن أكثر حرصا على أمن وتقدم العراق والعراقيين، هم يتحدثون بالكلام عن وحدة العراق، ونحن أثبتنا بالتصرف حرصنا على هذه الوحدة، فقد قمنا – ولا نزال – بكل ما في وسعنا من أجل الحفاظ على وحدة العراق، واليوم لا يستطيع أحد أن يلوم الأكراد على سوء الأوضاع في البلد.
سياسيا، رئيس جمهورية العراق كردي، وقد بذل أقصى ما بجهده ليجمع السنة والشيعة والأكراد حول طاولة واحدة، وهو الآن غائب عن بغداد، ونتمنى عودته سالما إلى الوطن، وغيابه أدى إلى عدم اجتماع الأطراف السياسية والتحاور مع بعضها.
وأمنيا، قدمنا كل الدعم والمساعدة لبغداد لتبقى مستقرة، نحن قمنا بذلك بشكل عملي، ولا يهمنا كثيرا أن يتحدث هذا الشخص أو ذاك عنا.
* حزب الدعوة، وعلى لسان أبرز قادته، علي الأديب، قال لـ«الشرق الأوسط» إن إقليم كردستان يريد أن يتمدد في صلاحياته؟
– هذا ليس له أي أساس من الصحة، وليقل ذلك، ما نريده هو ما حصلنا عليه في الدستور وملك لنا، إذا كانوا يقصدون موضوع النفط، فنحن نتعامل مع هذا الموضوع باعتباره ملكا لكل الشعب العراقي وضمن مواد الدستور.
لنقلب الموضوع ونقل إن كركوك مثلا كردستانية، وهذا معروف تاريخيا وجغرافيا، وخلال كل الأعوام الماضية كانوا يستخرجون النفط من كردستان ويشترون الأسلحة لضرب الأكراد العراقيين، جراحنا أعمق مما يتصورون وليعرف علي الأديب وغيره، وجراحنا لا تشفى بالشعارات الجوفاء التي تتحدث عن الديمقراطية وغيرها، ونحن نعرف أن هذه الشعارات الرنانة والطنانة لا أساس لها من الصحة.
ونتيجة لإصرارنا على البقاء والعيش في هذا البلد أعطينا أكثر من 182 ألفا من الشهداء، وتمت إبادة ما يقرب من 5 آلاف قرية وإزالتها من فوق الخريطة، كما أن الأسلحة الكيماوية استخدمت ضد شعبنا، والشعب الكردي كان يتصور أنه سيتم إنهاء هذه المآسي في العراق الجديد وليس سماع مثل هذه التصريحات، خاصة أنها تنطلق من علي الأديب الذي ناضل مع البيشمركة ضد النظام السابق، وكان على القيادات السياسية في بغداد أن تفكر وتعمل على مداواة جراح الأكراد، وكنا نتوقع من بغداد أن تقف مع المحاكم التي تثبت المقابر والإبادة الجماعية وتعويض ضحايا الأنفال والقصف الكيماوي وغيرها.
إذن موضوع النفط ليس هو الأزمة، فنحن نستطيع تصدير 250 ألف برميل، وخلال عام سنستطيع تصدير مليون برميل يوميا من دون كركوك، وهذا الخير هو لعموم العراق وليس للأكراد فقط، ولا ندري لماذا تفكر بغداد بأن هذه السياسة معادية لهم.
* هناك قيادات في الحكومة تتحدث عن المادة 140 باعتبار أن مفعولها قد انتهى، كيف تعلقون على ذلك؟
– المادة 140 مادة دستورية، والدستور لا يزال فاعلا ولم تسقط صلاحيته.
لنسأل: ماذا نريد من العراق الجديد؟ هل نريد الاستقرار السياسي والأمان والرفاهية للشعب العراقي، أم أن نخلق الأزمات، أزمة إثر أزمة؟ لنعد إلى المادة 140، ومثلما يعرف الجميع هي مادة دستورية وضعت لحل مشكلة كركوك، لكن المشكلة لم يتم حلها، وصرنا نسمع تصريحات بأن صلاحيتها انتهت.
المهم عندنا الانتهاء من هذه المشكلة وليس سماع التصريحات التي تعني خلق أزمة مضافة للعراق ككل، وحل هذه الأزمة يتم عبر المفاوضات، وإبداء المرونة، ونحن على استعداد لإبداء هذه المرونة والحوار.
لنتصور أن هناك مشكلة داخل عائلة، هذه المشكلة لن تحل عبر منطق القوي والضعيف، ولا بأن يفرض أي طرف نفسه كقوي على طرف آخر يتصوره الضعيف، بهذه الحالة لن تحل هذه المشكلة على الإطلاق، بل يجب اللجوء إلى الحوار المرن.
كركوك رمز الإخوة ومشكلتها بقيت معلقة مثل بقية المشاكل المعلقة، وعلينا أن نتناولها مشكلة تلو الأخرى وألا نؤجلها ونعقدها، والمسؤولية بذلك تقع على عاتق رئيس الوزراء العراقي، ماذا ينتظر ليحل هذه المشاكل؟ هل ينتظر أن يتقوى عسكريا ويأتي لاحتلال إقليم كردستان؟ صدام كان قويا ولم يستطع أن يفعل ذلك، لهذا لدينا طريق وحل واحد، وهو الحوار والمفاوضات لحل هذه المشاكل وتحقيق العدالة.
* هل تعتقدون أن بغداد تتعامل مع إقليم كردستان وفق منطق القوي والضعيف؟
– بالضبط، هذا شعورنا وإحساسنا.
أنا أنظر إلى طبيعة الأوضاع فأرى أن السنة لديهم خوف من المستقبل بسبب ما حدث في الماضي، والشيعة لديهم خوف الماضي، لكن الأكراد لديهم خوف الماضي والحاضر والمستقبل.
هذه مشكلة كبيرة، وإلا فماذا ينتظر رئيس الوزراء في بغداد؟ كلنا نعرف ما المشكلة وندور حولها ولا نذهب إلى صلبها ونحلها.
المجتمع العراقي لا يقوم من دون خلق وسط جامع وشراكة حقيقية مع جميع المكونات.
* هل كركوك هي أم المشاكل أو الأزمات؟
– لا..
أبدا، هم من ضخمها كثيرا، قبل كل شيء، لقد تم تضخيم موضوع كركوك كثيرا عندما كانت القوات الأميركية فيها، يقولون إن أهمية كركوك لنا كونها مدينة نفطية ولدينا نفط في كافة أنحاء الإقليم، من دون كركوك نستطيع أن نصدر مليون برميل يوميا، ومن دون كركوك نستطيع أن نصدر الغاز، كركوك بالنسبة لنا هي رمز للعراق الجديد ورمز لاضطهادنا في السابق ورمز لتحقيق العدالة في العراق.
* هناك قلق في الشارع الكردي من قبل المواطنين العاديين بسبب الأزمة بين بغداد وأربيل، وهذه الأزمة أثرت على الأوضاع الاقتصادية، وهناك خشية من أن تضرب بغداد عسكريا إقليم كردستان، هل عندكم هذا القلق؟
– حسب تصوري الشخصي، ليس هناك قلق من هذا الجانب، هذا تصوري الشخصي، ولكن بسبب تصرفات المالكي فإن هذا الانطباع موجود في الشارع الكردي، مع الأسف.
كنا نتصور أن هذه المرحلة قد انتهت في العراق.
يجب علينا جميعا إيجاد صيغة وآلية في كيفية العيش معا، ويجب أن ننظر للأوضاع من وجهة نظر واقعية وليس عبر التمنيات، عندما يتحدثون بالعبارات الرنانة عن وحدة العراق، شعبا وأرضا وجوا، يجب أن ننظر إلى الواقع على الأرض؛ في الانتخابات مثلا ماذا حدث، الشيعة صوتوا للشيعة والسنة صوتوا للسنة والأكراد صوتوا للأكراد، هذا هو الواقع التكويني للعراق، سواء أحببنا ذلك أم لا.
يجب أن نفكر بصيغة تبقي هذا البلد موحدا جغرافيا وأن يتعايش الجميع مع بعضهم.
* بعد عشر سنوات من الغزو، هل تعتقدون أن ما تحقق يستحقه العراقيون؟
– كلا..
للأسف.
العراق بلد غني من حيث الموارد البشرية والطبيعية، كان مثلا أي طالب، سواء كان عراقيا أو عربيا (ليس عراقيا)، يتمنى أن يدرس في كلية الطب بجامعة بغداد؛ للمستوى العلمي الرفيع الذي تتمتع به الجامعات العراقية ولسمعتها العلمية الراقية، التعليم والصحة والخدمات كانت متطورة في كل المجالات، أليس من المؤسف أن يتحسر العراقيون على بعض الخدمات اليوم ويحسدون دولا أخرى مواردها البشرية والطبيعية أقل منا بكثير؟! بعد عشر سنوات من تغيير النظام، ماذا قدم السياسيون في بغداد للشعب العراقي؟ مع كل هذا الغنى في العراق، انظر للخدمات وللأوضاع الأمنية، وعلى مدى أيام أشاهد من خلال شاشات التلفزيون انفجارات في أنحاء مختلفة من العراق، وهناك ناس أبرياء يقتلون نتيجة ذلك، فما ذنب الأبرياء الذين يفقدون حياتهم جراء ذلك؟! ليس هناك أي تقدم من الناحية الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخدمية، كيف يمكن إدارة البلاد بهذا الشكل، لو كانت مسألة إدارة البلدان حسب الطريقة التي تدار بها الأمور ببغداد لاستطاع أي واحد أن يأتي ويدير البلاد.
* ألم يتعلموا ببغداد من تجربة إدارة إقليم كردستان، أم تعتقد أن هناك من يحاول تخريب تجربتكم وإنجازاتكم؟
– بالعكس، هناك حسد من قبل المسؤولين في بغداد لما يحدث من تقدم في إقليم كردستان، ما نتمناه للعراق هو ذاته ما نتمناه للإقليم، وما نتمناه لأربيل هو ذاته ما نتمناه لعاصمتنا بغداد.
ونحن نعتقد أن لا أحد يستطيع تخريب تجربتنا وإنجازاتنا، نحن قطعنا مراحل صعبة وطويلة، ولا نستطيع العودة إلى الوراء، لقد انتهى وقت العودة والتراجع عن هذه الإنجازات الكبيرة، ويجب على بغداد أن تفكر في التعايش سلميا وقبول الآخر.
* هل تدعمون المظاهرات في المحافظات الغربية والشمالية؟
– المظاهرات السلمية حق دستوري، ومن هذا الباب ندعمها هي والمطالب المشروعة ضمن الدستور، لننظر إلى بداية المظاهرات، حيث طلب رافع العيساوي، وزير المالية المستقبل، الحوار لإيجاد الحلول ورفض رئيس الوزراء ذلك، ونتمنى أن تبقى هذه المظاهرات سلمية.
* وكيف تجدون سيناريو حل الأزمات العراقية الراهنة؟
– العراق بحاجة إلى حوار واقعي بين كل الأطراف وليس على أساس التمنيات، وإيجاد حلول للعيش ترضي كل المكونات.
* هذه هي الحكومة الثالثة التي تشكلونها في إقليم كردستان، هل تعتقدون أن المصاعب مع هذه الحكومة أكثر من السابق؟
– بالتأكيد، هناك تغييرات، أولويات الحياة تغيرت، عندما شكلت الكابينة الخامسة كانت أولوياتنا هي توفير الأمن والاستقرار وبعد ذلك تأتي المسائل الأخرى، هذه المرحلة – والحمد لله – تجاوزناها نتيجة جهود الأجهزة الأمنية والبيشمركة وتعاون شعبنا، لم ننته كليا من ملف الكهرباء، لكن الخدمات تطورت كثيرا، وباستمرار الحياة تتغير الأولويات ويرتفع سقف طموحات الناس، كما أن الأوضاع السياسية تتغير فالبرلمان أكثر فعالية من السابق، والمعارضة الآن قوية، والتجربة الديمقراطية تترسخ، ومؤسسات الحكومة تترسخ.
نحن ماضون إلى الأمام، لكن في التأكيد هناك ثغرات ونواقص.
* في الكابينة الخامسة، لم تكن هناك معارضة.
– كانت معارضة بسيطة، لكن بعد ما حدث لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني» (في إشارة إلى انشقاق نوشيروان مصطفى وتشكيل «حركة التغيير»)، تشكلت معارضة قوية.
* بمناسبة ذكر «الاتحاد الوطني الكردستاني»، هل تعتقدون أن تحالفكم الاستراتيجي معهم سينتهي كونهم سيذهبون إلى الانتخابات بقائمة منفصلة؟
– نحن أيضا في «الحزب الديمقراطي الكردستاني» سنذهب إلى الانتخابات بقائمة منفصلة عنهم، لكننا بالتأكيد سوف نستمر معهم في إطار تحالف استراتيجي، وربما هناك تغيير في التكتيك وهو أن ينزل كل حزب في الانتخابات بقائمة منفصلة، ولكن هذا لا يؤثر على أصل الموضوع في ما بيننا، وهو أن هناك تحالفا استراتيجيا بيننا.
* هل أثر غياب الرئيس جلال طالباني على الأوضاع في إقليم كردستان؟
– بالتأكيد..
ففخامة الرئيس طالباني جمع خلال عمله السياسي خبرة كبيرة وتجربة عميقة واكتسب حنكة سياسية، لذا نرى أن غيابه ستكون نتائجه سلبية على العراق، ووجوده كان يخلق التوازن بين جميع القوى السياسية، وهذا الخلل في هذا التوازن حدث بعد غيابه عن المشهد السياسي، ونتمنى عودته سالما ومعافى.
* هل يرشح «التحالف الكردستاني» رئيسا آخر للجمهورية باعتبار أن هذا المنصب من حصة التحالف؟
– نحن نأمل عودة الرئيس سالما، لهذا لم يتم ترشيح أي اسم لرئاسة الجمهورية.
* كنتم في تركيا مؤخرا، هل بحثتم موضوع السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، وهل كان لكم إسهام في بداية طريق السلام بينهما؟
– بحثنا أمورا كثيرة في تركيا، ومنها ما يتعلق بمصالح شعبينا والعلاقات المشتركة، كما بحثنا أوضاع المنطقة ومنها سوريا، أما في ما يتعلق بموضوع حزب العمال الكردستاني (التركي) فقد كان لنا إسهام مؤثر، ودورنا كان لإيجاد حل سياسي للمشكلة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني من دون أن يتم تفسير ذلك على أنه تدخل في الشأن الداخلي التركي، كونه موضوعا تركيا ويجب أن يحل في إطار الدولة التركية.
حاولنا وتحدثنا مع الحكومة التركية ومع حزب العمال، وسنستمر في مسعانا هذا، آملين أن نجد حلا سياسيا وسلميا لهذه المشكلة.
* وهل تستقرئون ثمة نتائج إيجابية لحل هذه المشكلة؟
– نرى أن هناك إرادة قوية من قبل الطرفين لحل المشكلة، وبالتأكيد هناك أعداء لهذه الجهود، وأن مثل هذه المشكلة لا تحل بين ليلة وضحاها، ومهما يكن الطريق صعبا فإنه يبدأ بخطوة أولى، وهذه الخطوة قد بدأت، المسألة صعبة وليست سهلة، ولكن يجب ألا نقلل مما تحقق حتى الآن، ودور رئيس الوزراء التركي كان رائعا ويستحق التقدير، كما أن مبادرة عبد الله أوجلان مهمة وعلى أنقرة ألا تقلل من شأنها، المهم أن تكون هناك قناعة لدى الأطراف التركية بأن هذه المشكلة سياسية ويجب إيجاد حل سياسي لها، وكانت لنا جهود في ذلك، ونتمنى أن تكون النتائج محل رضا الشعبين التركي والكردي.
* لاحظنا أن اللاجئين السوريين، العرب والأكراد، في مدن إقليم كردستان يعملون في المتاجر والفنادق ويتجولون بحرية.
– هؤلاء الإخوة السوريزن إخوتنا، عربا وأكرادا، والشعب السوري والحكومة السورية ساعدونا كثيرا عندما كنا بحاجة للمساعدة وقتذاك، واليوم جاء دورنا لتقديم كل ما نستطيعه من مساعدة.
ما نشاهده من أحداث في سوريا يؤلمنا، ونتمنى أن تتوقف هذه المعانات اليوم قبل الغد.
* كيف تتصورون الحل لقضية سوريا؟
– الأوضاع في سوريا معقدة جدا، نحن نرى أن هناك جبهتين قويتين: واحدة تدافع من أجل البقاء على النظام، تقابلها جبهة تريد إسقاط هذا النظام وتغييره، ورؤيتنا أن الحالة يجب أن تعالج سياسيا.
* هل تعتقدون أن النظام السوري سيبقى؟
– حسب توقعنا، فإن تغيير النظام في سوريا ليس بهذه السهولة، لننظر إلى خارطة الوضع هناك، حتى الآن الجيش والأمن وحزب البعث والسلك الدبلوماسي والعلويون وبعض السنة مع النظام.
وباختصار فإن 25% مع النظام، و15% معارضون له، والبقية في حيرة لا يعرفون ماذا يفعلون، هل يذهبون إلى هذه الجبهة أم تلك، وحتى الآن المبادرة بيد النظام ويجب حل المشكلة سياسيا من أجل الشعب السوري.
الشرق الأوسط