حزب الاتحاد الديمقراطي وسلطة الأمر الواقع

دلير أومري

بعد التوقيع على اتفاقية أضنة بين النظام السوري وتركيا والتي تنظم العلاقة بين الدولتين وخاصةً في المجال الأمني حافظ النظام السوري على تنظيمات حزب العمال الكوردستاني وخاصةً المجموعات السوريّة منها بعد أن تعهد للحكومة التركيّة بأنّ مهمة هذه المجموعات ونشاطاتها ستقتصر على الداخل السوري وتحديداً في المناطق الكورديّة .

وبهدف التكيّف مع سياسة النظام الجديدة تجاه تركيا وحزب العمال الكوردستاني وعدم تجاوز بنود اتفاقيّة أضنة تمّ الإعلان عن تشكيل حزب الاتحاد الديمقراطي ( الفرع السوري لحزب العمال) الذي ورث عن الحزب الأم كل التزاماته وعلاقاته وخاصة التعاون مع النظام السوري.
وجاءت أولى خطوات الحزب بمحاولة التشويش وتشويه سياسة الحركة الوطنيّة الكورديّة في أحداث القامشلي عام 2004 وتسبب من خلال ممارسات عناصره في إقدام النظام على قمع التظاهرات السلميّة التي اندلعت في كل المدن والبلدات الكورديّة رداً على سياسة النظام الوحشيّة وإطلاقه الرصاص الحي على المواطنين مما أدى إلى استشهاد العشرات من الشباب .
وازداد اعتماد النظام على الحزب المذكور في تعامله مع القضيّة الكورديّة لتنفيذ سياسته دون الانخراط في مشاكل هو بغنى عنه في الوقت الحاضر.
وظهرت هذه السياسة إلى العلن بشكل واضح بعد اندلاع الثورة السوريّة حيث ترك النظام للحزب مهمة تحييد الشعب الكوردي عن الثورة وإخراجه المناطق الكورديّة من الجغرافيا السوريّة الثائرة.
وخلال فترة قصيرة وبسبب امتلاكه للقوّة التي وفرها النظام له فرض سلطته على معظم المدن والبلدات الكورديّة وأقام فيها سلطة الأمر الواقع وبدأ يتحكم بكل شيء من المعونات الإنسانية إلى الإشراف على توزيع المحروقات والمتاجرة بها وفرض رسوم عالية لكل من يريد العبور إلى إقليم كوردستان أو إلى تركيا من المواطنين.
ومن أجل تثبيت واستمرار هذه السلطة وامتلاك الورقة الكورديّة لا بدّ من تأمين الموافقة السياسية من قبل المجلس الوطني الكوردي الذي يضم معظم الأحزاب الكورديّة في سوريا.
وبعد حوارات طويلة وشاقة بين المجلسين من خلال الهيئة الكورديّة العليا لم يستطع حزب الاتحاد الديمقراطي انتزاع موافقة  المجلس الوطني الكوردي على سلطة الأمر الواقع وترك القضية الكورديّة شأناً خاصاً للحزب المذكور.
وما رحلات السيد صالح مسلم إلى الدول المجاورة إلا كونه مراسلاً للنظام السوري ينقل رسائله إلى تلك العواصم ملوحاً بالورقة الكورديّة التي أصبحت ذات أهميّة بسبب جغرافيّة المناطق الكورديّة وما إعلانه فيما بعد عن مشروع الإدارة الذاتيّة إلّا إحدى تلك الرسائل .
إنّ رفض المجلس الوطني الكوردي الإذعان وقبول سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي ومقاومته لكل الضغوط والوصول إلى قرار جريء وهو الانضمام إلى الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة نقل القضيّة الكورديّة من بوتقتها الضيّقة إلى الفضاء الوطني المكان الطبيعي لها وجعلها قضيّة محل اهتمام القوى الإقليميّة والدولية والأهم من ذلك موافقة الطرفين (الائتلاف والمجلس) على الوثيقة الحقوقيّة التي تؤكد حق الشعب الكوردي كمكون أساسي في سوريا من الحصول على حقوقه القوميّة في إطار الوطن السوري .
إنّ خسارة حزب الاتحاد الديمقراطي وعدم تمكنه من ترويض المجلس الوطني خلق لديه رد فعل سلبي جداً ترجمه بالهجوم على مكاتب بعض الأحزاب الكورديّة واعتقال العديد من كوادر الحركة الكورديّة وملاحقة النشطاء السياسيين ومهاجمة التظاهرات السلميّة واستخدام السلاح الذي أدى إلى استشهاد العديد من المواطنين ومدينة عامودا خير مثال على ذلك.
إنّ العلاقة بين الحزب المذكور والنظام السوري بدأت تتكشف أكثر وأصبح حديث الشارع الكوردي والوطني السوري خاصة بعد مدح بشار الأسد لهم في إحدى مقابلاته والزيارات المتكررة لمسؤولي النظام المدنيين منهم والأمنيين إلى الجزيرة علماً أن ّ هذه المناطق حسب إدعائهم محررة.
وبسبب ما تقدّم فقد الحزب الكثير من شعبيته في الساحة الكورديّة مما أضطره إلى افتعال اشتباكات مع أطراف وقوى ظلاميّة يعتقد الكثير من الناس أنهم من نفس مدرسة حزب الإتحاد لخلق حاضنة شعبيّة لهم ناسين بأنّ هذه الاشتباكات قد خلقت جرحاً في الجسم الوطني يحتاج إلى وقت طويل ليندمل.
إنّ حزب الإتحاد الديمقراطي والداعمين له من قوى كورديّة سوريّة وكوردستانيّة وأحزاب سوريّة محسوبة على المعارضة يتحملون المسؤوليّة الاولى والتاريخيّة لما يعانيه الشعب الكوردي وقضيته الوطنيّة الديمقراطيّة.
وولا يمكن إعفاء المجلس الوطني الكوردي من المسؤوليّة لسلسلة الأخطاء السياسيّة التي ارتكبها وقراءته الضبابيّة للواقع السوري وتردده في اتخاذ القرارات السياسيّة الهامة التي تخصّ مستقبل الشعب الكوردي في سوريا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين اثار الأستاذ مهند الكاطع، بشعاره “بمناسبة وبدونها أنا سوري ضد الفدرالية”، قضية جدلية تستحق وقفة نقدية عقلانية. هذا الشعار، رغم بساطته الظاهرة، ينطوي على اختزال شديد لقضية مركبة تتعلق بمستقبل الدولة السورية وهويتها وشكل نظامها السياسي. أولاً: لا بد من التأكيّد أن الفدرالية ليست لعنة أو تهديداً، بل خياراً ديمقراطياً مُجرّباً في أعقد دول العالم تنوعاً. كالهند،…

د. محمود عباس بصوتٍ لا لبس فيه، نطالب الحراك الكوردي في غربي كوردستان بعدم التنازل، تحت أي ظرف، عن مطلب النظام الفيدرالي اللامركزي، وتثبيته بوضوح في صلب الدستور السوري القادم. فهذا المطلب لم يعد مجرد خيارٍ سياسي ضمن قائمة البدائل، بل تحوّل إلى صمّام أمان وجودي، يحفظ ما تبقى من تطلعات شعبٍ نُكّل به لأكثر من قرن، وسُلب…

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…