مجازر الجوع

بقلم عبدو خليل

ماذا بعد قصف الغوطة الشرقية بالكيماوي ..

ماذا بعد خنق المئات من الأطفال و النساء بغاز السارين و الخردل و السيانيد ..

ماذا بعد التقارب الأمريكي الروسي على حساب الدم السوري ..

هذا الدم الذي جف على طاولات المحافل الدولية ..

 بعدما لطخ ربطات العنق الأنيقة في عواصم القرار ..

عربية كانت أم غربية..

؟؟

إن المتابع لما يجري الآن من مجاعة تطال ألاف الأطفال و النساء في ريف دمشق تحديداً ..

يشعر بمدى ضحالة الضمير العالمي و بمدى هشاشة قوانين و مواثيق حقوق الإنسان ..

اذ ليس من المعقول إن تتكرر المأساة نفسها للمرة الثانية على التوالي خلال بضعة أشهر..

 مرة بالكيماوي ..

ومرة حصاراً وجوعاً ..

ومن غير المعقول أن يموت أطفال سورية جوعاً ..

في بلد يمتلك مخزوناً هائلاً من الخيرات ..

زراعية كانت أم صناعية ..

ومن غير المعقول الا يتحرك ضمير العالم الحر ..

بمجرد حصوله على ضمانات بنزع أسلحة النظام الكيماوية ..

فحياة أطفال سورية لا تقل أهمية عن أمن إسرائيل و الولايات المتحدة ..

والثورة السورية لم تدفع فاتورتها من دماء الشعب السوري لتتحول انتصارا عسكرياً لصالح عواصم القرار ..

ولم ينتفض أصلاً هذا الشعب البطل من أجل الكيماوي السوري ..

ولا النووي الإيراني ..

ولا من أجل أمن الخليج ..ولا من أجل أن تصفي تركيا حساباتها مع غريمها حزب العمال الكردستاني ..

أنتفض هذا الشعب من أجل حريته وكرامته المستباحة ..

من أجل أن يعيد لسورية وجهها المدني و الديمقراطي ..

وأن تغدو الدولة وطناً لا حديقة خلفية لحفنة من المارقين و المساومين على حياته و ترابه و حريته..
إن المجاعة التي باتت تحصد يومياً حياة السوريين ..

بموازاة شلال الدم النازف ..

ما هي إلا نتيجة جديدة للتسويات التي تفوح منها رائحة القذارة ..

بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا ..

وما هي إلا إحدى أشكال الحرب الباردة ..

بصيغة وحلة جديدة تليق بالقرن الحادي والعشرين ..

وتصفية حسابات ..

لا تختلف عن تصفيات حسابات عصابات المافيا ..

إنما ضمن صيغ وأطر قانونية ودبلوماسية ..

فما المعنى من جنيف 2 وما المعنى من حكومة انتقالية ..

إذا لم تتوقف آلة الحرب والدمار اليومية ..

أم أن العالم أنتقل اليوم لطور جديد ..

من أطوار الموت الصامت والرحيم ..

الموت جوعا ..
ويبقى السؤال..

هل يعود المجتمع الدولي عن غيه و تماديه في الركض خلف مصالحه على حساب مجازر أخرى ..

لا تفوح منها هذه المرة رائحة السيانيد ..إنما رائحة قذرة نتنة ..

هي رائحة عفن ضمير هذا العالم الذي بات اليوم مفتقداً لأدنى حدود الإنسانية ..

————–
 
*النقطة الحساسة: زاوية يكتبها عبدو خليل لموقع (ولاتي مه) وتبث عبر راديو نوروز اف ام 

الحلقات السابقة:

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…