تمتاز كوردستان موطن الكورد بأهمية استراتيجية، حيث تحتل موقعاً جيوسياسياً مرموقاً، وتتمتع بثراء في ثرواتها الطبيعية والباطنية من نفط ومياه…إلخ، وتعتبر شرياناً حيوياً للعالم، لهذا كانت محط اهتمامه وسبب النزاعات والصراعات عليه، فكانت كوردستان بأرضها وشعبها مؤثراً ومرجحاً في التوازنات الدولية أمنياً واقتصادياً وسياسياً..، لذلك كانت عرضة للتجزئة والتقسيم لأكثر من مرة بموجب اتفاقات استعمارية وقعت بين دول عظمى كانت آخرها معاهدة سايكس بيكو المشؤومة والآيلة للإلغاء بسبب انتهاء صلاحيتها.
استمرت الأوضاع إلى أن بدأت ثورات الربيع العربي التي كانت نتاج تراكمات من المعالجات القسرية والحلول الناقصة، والتي كانت معظمها جراحية أي بالقوة العسكرية، وبالرغم من ذلك فالتعثر والتلكؤ ظلا يسيطران على الأوضاع بسبب تضارب مصالح الدول العظمى وعدم اتفاقها على الحلول الجذرية المطلوبة .
وفي هذه الأثناء علت أصوات من أشخاص بارزين في مراكز القرار الدولية من قادة ومستشارين على ضرورة تغيير الخارطة السياسية في الشرق الأوسط تحت مسميات مختلفة (كالشرق الأوسط الجديد) والغاية منها تأمين مصالحها الحيوية وأمنها القومي المهددة باستمرار الحالة الراهنة كماهي.
فالقضية الكوردية (ومنذ الهجرة المليونية لكورد العراق هرباً من بطش صدام وانتقامه،حيث اضطر المجتمع الدولي لتوفير مناطق حماية آمنة لهم بقرار أممي) إلى جانب القضية الفلسطينية أصبحت تتصدر جميع الخطط والمشاريع المقترحة في الطريق إلى حلها تحت عناوين نشر الديمقراطية وتأمين حقوق القوميات والإقليات الدينية والعرقية في بلدان المنطقة، وذلك لإرساء الأمن والاستقرار والسلام فيها.
والكورد مدعوون أكثر من أي وقت مضى لفهم طبيعة المرحلة وتهيئة العامل الذاتي لاستغلال الظروف الموضوعية المواتية، ويبدأ ذلك بتوحيد الصف والخطاب، وإعداد مشاريع قومية تكتيكية وأخرى استراتيجية، والتحرك دبلوماسياً و اعلامياً لكسب الرأي العام إقليمياً ودولياً على أرضية أن القضية الكوردية ذات أبعاد انسانية وديمقراطية دولية تتسم بالعدالة والشرعية كونها قضية أكبر شعب يعيش على أرضه دون كيان خاص به، ومحروم من أبسط حقوقه القومية والوطنية، ويتعرض للاضطهاد والقمع من كل النواحي.
بدون أي شك اتخاذ الإجراءات بعقد مؤتمر قومي كوردستاني في هذه المرحلة قرار جريء وصائب، وخطوة هامة وضرورية من حيث المبدأ والمضمون، وكذلك من حيث الزمان والمكان، فله دلالات سياسية واضحة ورسائل بليغة وصريحة ، على وحدة الكورد إرادةً ومصيراً، وإصرارهم الدؤوب على النضال لتثبيت حضورهم ونيل حقوقهم واحتلال موقعهم اللازم والمفروض على الساحة الدولية للمساهمة في بناء الحضارة الإنسانيّة وتطويرها.
إنجاح المؤتمر وتحقيق الأهداف المرجوة منه ضروري، ومقومات النجاح متوفرة إلى حدٍ كبير وأبرزها :
1- توفر الغطاء والموافقة دولياً وإقليمياً بسبب تدويل القضية الكوردية وتجاوزها الحدود الإقليمية والأمور السيادية الداخلية، ففي ظل تفاقم الأزمة السورية أصبح الكورد رقماً معتبراً لا يمكن تجاهلهم، وكذلك في تركيا بات الكورد جزءاً أساسياً وفاعلاً في العملية السياسية وخاصةً بعد سيطرة حزب أردوغان مقاليد الحكم وتوقيعه الاتفاق الأخير مع حزب العمال الكوردستاني (PKK) بوساطة ومؤازرة ومباركة كوردستانية ودولية،ناهيك عن الوضع الإيراني المأزوم دولياً بسبب السياسة المتشددة لتي ينتهجها نظام الملالي الملفات والقضايا الدولية والاقليمية وبخاصة معاداة إسرائيل والملف النووي والموقف الداعم للحركات االمتمردة على أساس طائفي في العديد من الدول.
2- وجود كوردستان العراق الجهة المستضيفة والمنظمة والمشرفة على المؤتمر بحكم امتلاكها إمكانات ومقومات شبه دولة مستقلة معترفة دولياً، ولها موقع خاص ورأي معتمد في القضايا والملفات الإقليمية وخاصة القضية الكوردية لدى صناع القرار الدوليين.
3- توفر الإرادة والتوافق لدى القوى الكوردستانية الكبرى على عقد المؤتمر برعاية رئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني سليل العائلة الوطنية المناضلة المرتبطة اسمها بالحركة التحررية الكوردية لأكثر من نصف قرن، يعطي المؤتمر المزيد من الزخم والتفاؤل والجدوى والنجاح…
تأتي أهمية انعقاد المؤتمر القومي الكوردستاني في هذه المرحلة التاريخية لممثلي كافة القوى السياسية والفعاليات والنخب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية..، وكذلك الحركات الشبابية والمرأة، من الأجزاء الأربعة ومن الشتات والمهاجر، لإجراء حوارات ونقاشات معمقة وجادة، وتبادل الآراء والمواقف لتكوين رؤية سياسية مشتركة (عامة وشاملة) تجاه القضية الكوردية بشكل عام، وتجاه الأوضاع والأحداث الإقليمية والدولية، وكذلك لتشكيل آلية تنظيمية لتأمين التشاور والتنسيق والتعاون والإدارة وتبادل الخبرات والإمكانات لتطوير أساليب النضال وأشكاله ووضع أسس ومبادئ عامة للنضال من أجل القضية الكوردية تتماشى مع ظروف كل مرحلة.
وما يجدر ذكره هو التأكيد على عدة مبادئ نأمل أخذها بعين الاعتبار في المؤتمر ومنها:
1- القيادة الجماعية وعدم التفرد في اتخاذ القرارات والإجراءات سواء على صعيد الأشخاص أو الجهات، واعتماد النضال السلمي الديمقراطي واتباع أسلوب الحوار كمبدأ رئيسي لحل ومعالجة جميع القضايا.
2- التعايش السلمي والتآخي مع باقي المكونات العرقية والدينية في كوردستان واشراكها في الإدارة والبناء والدفاع.
3- توثيق العلاقات مع القوى الوطنية والديمقراطية في الدول المقتسمة لكوردستان، والعمل لتحقيق الشراكة الحقيقية في الوطن والمساواة في الحقوق والواجبات مع الحفاظ على الخصوصة القومية من حيث النوع والشكل، بمعنى التوفيق بين النضالين القومي والوطني، وعدم الرهان والاعتماد على الأنظمة الحاكمة للدول المقتسمة لكوردستان .
4- التأكيد على خصوصة كل جزء من كوردستان، من حيث طبيعة وأسلوب النضال وكذلك شكل وسقف الأهداف والمطالب، اعتماداً على الظروف الذاتية والموضوعية لكل جزء .
5- التأكيد على عدم التدخل في شؤون الأجزاء الأخرى إلا من باب الدعم والمؤازرة وابداء المشورة وتقديم الخبرات والامكانات.
6- إيلاء الاهتمام الزائد بنسج العلاقات الدبلوماسية مع كافة المنظمات والمؤسسات الدولية وبخاصة الديمقراطية والمدنية لكسب الدعم والمساندة للقضية الكوردية .
لعل الغاية الرئيسية من عقد المؤتمر هو تشكيل مرجعية كوردستانية مشكلة من ممثلي كافة الأجزاء فتمتلك الشرعية والأهلية والصلاحية في تمثيل القضية الكوردية في المحافل الدولية والأقليمية وطرح مشاريع وخطط عملية ناجعة لحلها، واتخاذ القرارات والمواقف المصيرية الملزمة لجميع الأطراف الكوردستانية المنضوية تحت سقفها.
ولأجل عقد المؤتمر وبلوغ أهدافه المتوخاة منه لا بد من الاهتمام بآليات التحضير والتمثيل، وذلك للتقليل من الأخطاء وزيادة فرص النجاح، ولذلك نلفت عناية القائمين والراعين للمؤتمر إلى جملة من الملاحظات نأمل الأخذ بها:
1- عدم اقصاء وتهميش أي كيان كوردي مهتم وفاعل على مستوى الأفراد أو الجماعات، وعدم التذكية إلا على أساس الكفاءة والتمثيل وفق معايير وضوابط وطنية وأخلاقية وسياسية صارمة ودقيقة.
2- لأجل عقد المؤتمر في مكانه وزمانه المحددين، وتنفيذ البرنامج الموضوع له، وقطع الطريق على المتربصين للكورد والمعادين لتطلعاتهم وطموحاتهم، لا بد من التوافق وابداء المرونة وتقديم التنازلات وتجاوز الخلافات والخصومات لصالح القضية الكوردية، والعمل بجدية واخلاص وبأجندات قومية كوردية خالصة،لأن حل القضية الكوردية انتصار لقوى الخير والحرية والسلام والديموقراطية في العالم بأسره، وذلك لما تحمله القضية الكوردية من معان ومفاهيم انسانية تحررية وتقدمية.
3- تحديد نسبة المشاركين بالتساوي بين كل الأجزاء في المؤتمرإضافة إلى غوتا خاصة لممثلي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وكورد المهاجر والشتات، وتحديد غوتا مستقلة للكورد الايزيديين والشبك وغيرهم من الطوائف الكوردية.
4- انتخاب مجلس قومي مصغر بمثابة مرجعية يمتلك كافة الصلاحيات التنفيذية (على غرار هيكلية المجلس الوطني الكوردي في سوريا) على أن يضم ممثلي كافة الأجزاء دون استثناء من كيانات سياسية ومنظمات مدنية وشخصيات مستقلة بنسب محددة على أساس الانتخابات التوافقية.
5- انتخاب مكتب تنفيذي (أو أمانة عامة) من المجلس القومي(البند 4 ) يمثل فيه جميع الأجزاء بقواها الرئيسية الفاعلة (المنتخبة من المجالس أو الأطر المحلية..
في كل جزء إن وجدت، أو من البرلمان كما هو الحال في كوردستان العراق) بشكل متساو مع إضافة ممثل عن رئاسة الاقليم وآخرعن حكومته، ومن الأهمية والضرورة بمكان انتخاب السيد رئيس الاقليم مسعود البارزاني رئيساً للمكتب التنفيذي لما له من حضور متميز وتأثير فاعل في كافة الساحات الكوردستانية والاقليمية والدولية ، كما من المستحسن منح صلاحيات واسعة للمكتب ورئاسته لتعيين مستشارين وخبراء لها في كافة الاختصاصات والمجالات والأصعدة لمساعدته في مهامه الموكلة إليه والمخولة بها، وهذا يندرج ضمن لوائح تنظيمية وتنفيذية داخلية تقدمها اللجان الفرعية التخصصية في اللجنة التحضيرية للمؤتمر وتصبح نافذة بعد التصد يق عليها من قبل المؤتمرين.
6- فتح مقر رئيسي للمؤتمر ومكتبه التنفيذي في هولير عاصمة الاقليم، وفتح فروع وممثليات أو مكاتب ارتباط في كافة أجزاء كوردستان وفي مناطق تواجد الكورد، وفي العواصم ومراكز القرار الاقليمية والدولية والأماكن التي تتطلب وجود ممثليات فيها.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشير إلى خصوصية الكورد في سوريا وحساسية أوضاعهم وظروفهم التي يعيشونها، فالدعوة باسم المجلسين إلى المؤتمر القومي كما جاء في البيان الختامي للجلسة الأولى، يزيل كل الشكوك والشبهات على أن ترشيح الممثلين عن الكورد السوريين منوط بهما(محصور فيهما)دون اعطاء حق لأية جهة كانت للتذكية أو التعيين خارج الأصول والآليات الديمقراطية المتبعة في كلا المجلسين ووفق التوصيات واللوائح المقررة من قبل اللجنة التحضيرية للمؤتمر من حيث العدد والنوع، وكذلك نتأمل من المؤتمر الخروج بقرارات عملية خاصة بكردستان سوريا لتخفيف المعاناة والمآسي التي يعيشها أهلها، وذلك بتقديم الدعم والمساندة لتجاوز محنتهم وتامين كامل حقوقهم ضمن سوريا الجديدة.