لن تُغطي قرقعة السلاح في (سريه كانْيه) على صوت الحقيقة*

حسين جلبي

القاعدة الذهبية في الحروب هي أن المدنيين و المُدن هم من يدفعون فاتورة المعارك خاصةً عندما تجري في الأماكن السكنية، إذ يتسبب كلا الطرفين، المهاجم و المدافع، في إلحاق الأذى بالأبرياء مهما إدعيا من حرصٍ عليهم، طالما أنهما يردان على الرصاصة بالرصاصة، لا بل يتجرآن في أغلب الأحيان على إتخاذهم دروعاً بشرية، و على التحصن في بيوتهم.

ما يجري في سريه كانْيه لا يشذ عن هذه القاعدة، إذ يتساوى المُهاجمون و المُدافعون في مسؤولية ما يلحق بالسكان المدنيين و المدينة، مهما كانت غاياتهم نبيلة، و مهما نجحا في  تبرير حربهما دفاعاً و هجوماً و تسويقها، طالما أنهما لا يسعيان إلى التفكير في حلٍ يُجنب المواطنين و بيوتهم القتل و التدمير.
يُظهر فيديو مُسرب مجموعة من الكتائب المُسلحة و هي تلقي القبض على مجموعة من الكُرد، ثم يقوم أعضائها بشتم المقبوض عليهم و الإعتداء عليهم بالضرب بالعصي و الأيادي و الإقدام بحجة أنهم من أعضاء حزب العُمال الكُردستاني رغم إنكار المُعتدى عليهم للتهمة، و لنفرض صحة ما ذهب إليه المُعتدون و إن هؤلاء فعلاً أعضاء في الحزب الكُردي الذي يُقاتلون ضده، فهل من أخلاق الثورة السورية التعامل مع المختلف، و حتى مع العدو، بهذه الطريقة المُهينة؟ و هل هذا ما كان ينتظره الكُرد ممن جاء مدعياً تحريرهم من النظام؟
ثم يُظهر فيديو آخر عربة تم تركيب رشاش في صحنها يقف خلفه مُقاتل، و كلما تقدمت العربة قليلاً يقوم المقاتل بإطلاق رشقات من رشاشه و هو يصيح: عاش القائد آبو (في إشارةٍ إلى السيد أوجلان)، تتراجع السيارة قليلاً، و عندما تتقدم ثانيةً تُطلق رشقة أُخرى مع هتاق المُقاتل: تنعدم الحياة بدون الرئيس)، و هكذا دواليك.

فهل السيد أوجلان موجودٌ في سريه كانْيه؟ و هل المعركة هناك هي لتحريره أم للدفاع عن المدينة المنكوبة؟
سريه كانْيه ليست معركة إسقاط النظام و لا هي معركة الوجود الكُردستاني كما يصورها طرفا القتال، فالمدينة لا تشكل شيئاً في الحسابات العسكرية الإستراتيجية، إنها ليست حجر عثرة في الطريق إلى رأس النظام و هي ليست نقطة إمداد خلفي له، حتى أن إتصالهُ معها يقطعهُ مساحات جغرافية كبيرة يسيطر عليها الجيش الحُر، و هي من جهة أُخرى ليست معركة الوجود الكُردي الذي يستدعي كل هذا الشحن و التجييش الشامل، إنها تحتاج بدلاً من ذلك إلى (تحشيدٍ) عقلي لفك الإشتباك الحاصل فيها و إيقاف قتل الناس و وقف تدميرها و ذلك لمنع إمتداد الصراع إلى مُدن و مناطق كُردية أُخرى، ستحرق نيرانها المكونات الموجودة فيها و تمتد ألسنة لهيبها إلى أماكن أُخرى، إنها في الحقيقة المعركة الخطأ التي يُضطر سكان المدينة لا إلى التفرج عليها فحسب بل إلى دفع ثمن الصراع فيها و عليها باهظاً.
حسين جلبي
20.02.2013
* مُلاحظة: المُقال كُتب قبل حوالي ثلاثة أسابيع  من التاريخ الموجود في نهايته، و أُرسل للنشر دون إجراء تعديلٍ عليه.
* عن الشبكة العربية العالمية:
http://www.globalarabnetwork.com/politics/51-syria-politics/9608-2013-02-20-22-35-51

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف نيسان واعد بعد نسيان وتناس خرجت إلى السطح، ومن جديد، في أعقاب مؤتمر السادس والعشرين من نيسان عام 2025 في مدينة قامشلي، الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الكرد السوريين، أصوات ما فتئت منذ سنوات تنفث أحقادها ضد الكرد باسم قضايا زائفة. كما اعتادت هذه الأصوات أن تختبئ وراءه. إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على معاداة”…

د. محمود عباس حين تهتز الأرض تحت أقدام الأزمنة القديمة، وتبدأ طبقات التاريخ بالتصدع، لا يعلو إلا صوت أولئك الذين فقدوا البوصلة، أما الحكماء فيراقبون، لأنهم يعلمون أن كل ولادة جديدة تبدأ أولاً بصراخ الجاهلين، ولا يظهر صوت الجهالة فجأة، بل يطفو من ركام قرون لم تُصفّ حساباتها مع ذاتها. واليوم، كما أدركتُ وتابعتُ عن كثب، فإن نسبة…

زاكروس عثمان اعلن رئيس النظام السوري المؤقت ابو محمد الجولاني رفضه لمقررات كونفرانس وحدة الموقف والصف الكوردي, والذي عقد في قامشلو 26.04,2025, تجاوبا مع موقف الجولاني و توجيهات زبانيته ارتفعت سوية اصوات الشوفينيين والسلفيين العرب تؤكد رفضها لمطالب الكورد، داعين إلى معالجة القضية الكوردستانية من خلال إجراء استفتاء عام في سوريا، وعلى ضوء النتائج يحدد مصير الكورد، وقد يبدو…

نظام مير محمدي * حوالي ظهر يوم السبت الموافق 26 أبريل (نيسان)، وقع انفجار هائل في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس في محافظة هرمزغان، والذي يُعد أحد أهم وأكثر المراكز التجارية حساسية في إيران، مخلفًا أبعادًا واسعة من الخسائر البشرية والمادية. وبينما لم تُنشر حتى الآن، وبعد مرور أكثر من 24 ساعة، معلومات دقيقة وموثوقة حول السبب الرئيسي للانفجار وحجم…