تصريح صلاح كفتارو بين استخدام المنابر لتبرير الطاعة المركزية واختزال وتذويب القضية الكردية

إبراهيم كابان

نشر د. صلاح الدين كفتارو على صفحته الرسمية تصريحًا موجّهًا إلى قوات سوريا الديمقراطية والحركة السياسية الكردية، حاول فيه تقديم نصائح وقراءات حول خطورة الفيدرالية، اللامركزية، والحكم المحلي، مستغلاً المنبر الديني لإضفاء طابع أخلاقي على موقفه السياسي. هذا التصريح يستدعي مراجعة دقيقة، لأن ما ورد فيه يعكس استمرارية منهجية والده في خدمة النظام المركزي البعثي، ويغفل الواقع السياسي والديمغرافي للكرد في شمال سوريا، وينتج خطابًا مختلطًا بين الدين والسياسة بعيدًا عن التحليل الموضوعي والرصيد التاريخي للنضال الكردي.

أدوات السلطة المركزية

يظهر في تصريح كفتارو كيف يمكن للخطاب الديني أن يُستخدم لتبرير سياسات مركزية واستبدادية، حيث يتم تحويل الدين من عامل للتوجيه الروحي إلى أداة للسيطرة السياسية، تُوظف لتثبيت الولاء للنظام المركزي في دمشق وإخفاء الفروق الحقيقية بين المركز والمكونات. هذه الطريقة في التعامل مع الدين والسياسة، التي تعود جذورها إلى تجربة والده، تعمل على تهميش أي نقاش موضوعي حول الحكم المحلي، وتمارس ضغوطًا أخلاقية على الفعل السياسي المستقل، وتفرض تصورات محدودة عن الوطنية توازي الولاء للنظام مع المصلحة الوطنية.

المفاهيم المغلوطة حول الفيدرالية واللامركزية

أحد أبرز أوجه قصور التصريح هو خلطه الواضح بين الفيدرالية واللامركزية والتقسيم، إذ يتم التعامل مع هذه المفاهيم الثلاثة على أنها تهديدات وجودية لوحدة الوطن، دون أي إدراك للاختلافات الجوهرية بينها. الفيدرالية إطار دستوري يوزع السلطات بين المركز والمكونات ويضمن الحقوق السياسية والثقافية ويتيح لكل مكون إدارة شؤونه بما يتوافق مع هويته، بينما اللامركزية توفر مرونة إدارية ضمن الدولة الموحدة ولا تهدف بالضرورة إلى انفصال أو تقسيم، والتقسيم يمثل مشروعًا انفصاليًا قائمًا على فرضيات جغرافية وسياسية مستقلة عن الدولة. إن مساواة هذه المفاهيم الثلاثة تحت خانة الخطر على وحدة الوطن يظهر جهلًا ديمغرافيًا وسياسيًا متعمدًا أو عدم وعي، ويكرس عقلية الطاعة للمركز ويحول أي نقاش حول الحكم المحلي إلى تهديد مزعوم، تمامًا كما استخدم والده الخطاب الصوفي لتثبيت السلطة المركزية على حساب الفعل السياسي المستقل.

الاستمرارية بين الأب والابن

ما يقدمه د. صلاح الدين اليوم ليس رؤية سياسية مستقلة، بل امتداد لعقلية والده في خدمة المركزية، مع إعادة إنتاج نفس الخطاب، هذه المرة بقالب ديني حديث. أي موقف سياسي يقدمه لا يتجاوز كونه تكرارًا لمنطق الطاعة والخضوع، حيث يُصوَّر أي نقاش حول الحكم المحلي أو الفيدرالية كخيانة أو تهديد، بينما الواقع يثبت مشروعية القضية الكردية في سوريا والنضال المستمر للشعب الكردي ضد النظام البعثي الفاشي وأي محاولات استبدادية لاحقة. لقد واجه الكرد في شمال سوريا عبر عقود طويلة سياسات التهميش والتغيير الديمغرافي، وواجهوا كل محاولات استلاب حقوقهم الثقافية والسياسية، وكان النضال الكردي في مواجهة البعث مثالًا على مقاومة منظمة ومنهجية للدفاع عن الهوية والحقوق المشروعة.

الديمغرافية الكردية في شمال سوريا

الوجود الكردي في شمال سوريا يمتد على مساحة واسعة، ويشكل نسبة كبيرة من السكان في الجزيرة والفرات والأرياف الشمالية، ويؤثر بشكل مباشر على أي نقاش حول الحكم المحلي أو الإدارة الذاتية. هذه الحقيقة الديمغرافية تجعل أي مشاريع إدارية أو سياسية للكرد مشروعة ودستورية، وتفرض الاعتراف بحقهم في إدارة شؤون مناطقهم والمشاركة في بناء مؤسسات قوية تحترم التنوع الاجتماعي والثقافي، بعيدًا عن خطاب الولاء المطلق للنظام المركزي الذي لم يخدم مصالحهم.

واقع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية

إن الإنجازات التي حققتها الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والمكاسب السياسية والأمنية التي تحققت بفضل تضحيات ونضال الشعب الكردي، بما في ذلك تأسيس قوات سوريا الديمقراطية التي ساهمت في حماية المناطق وتأمينها، هي حقائق لا يمكن اختزالها أو تشويهها بنصائح أو تصريحات كفتارو. أي محاولة لتقديم صورة سلبية عن هذه الإنجازات تظهر جهلًا كاملًا بالرصيد الكردي الفعلي، وعدم إدراك للتضحيات التي بذلها الكرد من أجل الدفاع عن مناطقهم وهويتهم. الإدارة الذاتية والقوات الأمنية المرتبطة بها أثبتت قدرة الكرد على الإدارة الذاتية وحماية مجتمعاتهم، وهذا الإنجاز يعكس مشروعية مطالبهم السياسية والحقوقية، ويجعل أي نصائح بعيدة عن الواقع السياسي والكردي فاقدة للشرعية.

النقد الموضوعي للخطاب

التصريح يمزج بين الدين والسياسة بشكل يخدم المركزية ويضفي الشرعية على الولاء للنظام، مستخدمًا التهديد الأخلاقي والدعاء الديني كأدوات ضغط، في حين يغفل الواقع الديمغرافي والسياسي والاجتماعي ويعيد إنتاج خطاب الأب الذي كان يركز على الطاعة للمركزية على حساب الفعل السياسي المستقل. يعتمد الخطاب على شعارات عامة حول الوطنية والوفاء للوطن لكنه يفتقر لأي تحليل موضوعي أو رؤية استراتيجية واضحة، ويغفل التفاصيل الواقعية للمناطق المختلفة والتحديات الإدارية والسياسية، بما في ذلك التغييرات الديمغرافية الواسعة والعمليات التي استهدفت الثقافة والهوية الكردية، والتي تفرض على أي خطاب سياسي أو ديني فهمًا دقيقًا للسياق والواقع.

مشروعية القضية الكردية والنضال المستمر

القضية الكردية في سوريا قضية مشروعة، ومشروعها التاريخي في شمال سوريا مرتبط بالنضال المستمر ضد سياسات التهميش والاستبداد. لقد خاض الكرد صراعات طويلة ضد النظام البعثي الفاشي، وضد أي محاولات لاحقة لتقييد حرياتهم وإلغاء حقوقهم، وكان نضالهم يشمل جميع المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية. هذا النضال هو الذي يمنح أي مطالب كردية، سواء كانت إدارة محلية، أو حقوق ثقافية، أو مشاركة سياسية، صبغة مشروعية لا يمكن تجاوزها، ويؤكد على ضرورة إدراك أي خطابات سياسية ودينية للواقع الحقيقي لشمال سوريا وحقوق شعبه التاريخية.

المحصلة

الشرعية الحقيقية لأي خطاب سياسي أو ديني يتعلق بالقضية الكردية لا تُكتسب بالكلمات أو المنابر الدينية، بل بالممارسة الفعلية في حماية الهوية والتمسك بالحقوق والمساهمة في بناء مستقبل مستقر ومزدهر للشعب. النقد الموضوعي لتصريحات كفتارو ضروري لفصل الدين عن السياسة، وتوضيح حدود الطاعة المركزية مقابل الفهم الواقعي للإدارة والحقوق المحلية، ومنع إعادة إنتاج نفس أخطاء الماضي التي استُغل فيها الدين لتبرير سياسات الهيمنة والاستبداد، وضمان ألا يتحول الخطاب الديني إلى أداة لتشويه النضال التاريخي لشعب له جذور ديمغرافية وثقافية عميقة وإنجازات حقيقية في الإدارة الذاتية وحماية مجتمعاته من التحديات الأمنية والسياسية.

 

رابط مقال د. صلاح الدين كفتارو: 

https://www.facebook.com/salah.kuftaro.5/posts/pfbid0Y9b11Ybr7ux3yaJEygs1twRetX1mnSu87rxYr6zBMjw5GKBNembXim2JPwgbR8zVl

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Ibrahim
Ibrahim
15 ساعة

لسه ابوه كان ذيل لسلطة الاسد

اقرأ أيضاً ...

صلاح عمر في لحظة يفترض أن تكون مكرّسة لرأب الصدع الوطني، وإعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب والاستبداد، يطلّ خطاب الكراهية من جديد، أكثر حدّة ووقاحة، موجّهًا هذه المرّة ضد الكورد في سوريا، كأن التاريخ لم يعلّم أصحابه شيئًا، وكأن البلاد لم تدفع بعدُ ما يكفي من الدم والخراب. هذا الخطاب ليس عابرًا، ولا مجرد انفعالات على منصات التواصل أو…

د. محمود عباس ما نشرته واشنطن بوست البارحة، 23/12/2025م، تحت عنوان (كيف تسعى الأنشطة الإسرائيلية السرّية في سوريا إلى عرقلة حكومتها الجديدة) لم يكن كشفًا صحفيًا، بل إعادة تدويرٍ لتهمةٍ قديمة تُستحضر كلما اقتربت لحظة تسوية كبرى على حساب الشعوب. التهمة الجاهزة، الكورد والدروز أدوات إسرائيل. والحقيقة الأوضح، لا وجود لعلاقة سرّية ولا مشروع تحالف خفي، بل هناك تهمة سياسية…

بنكين محمد في النزاعات المعقّدة، لا تقلّ خطورة الرواية عن الرصاصة، ولا يكون التلاعب بالصور والكلمات أقل فتكًا من القصف. ما شهدناه خلال الأيام الأخيرة في التغطيات الصادرة عن بعض القنوات العربية الكبرى، وعلى رأسها #العربية و#الحدث و#الجزيرة، لا يمكن توصيفه بوصفه “اختلافًا في الزوايا”، بل انحرافًا سياسيًا وإعلاميًا عن معايير المهنية الدولية. لقد جرى تسويق رواية مضلِّلة تتهم الكرد…

زينه عبدي في خضم اللحظة الانتقالية التي تمر بها سوريا، لا يمكن قياس مدى التغيير المسؤول والملموس بالواجهات الجديدة في السلطة الانتقالية والخطابات التي تصدرها يوماً تلو الآخر، وإنما بقدرة الفواعل السياسية على إدارة الملف السياسي السوري بما يناسب السياق السوري الراهن، والسعي لإعادة ترتيب البيت السياسي من جديد وتفتيت ما تبقى من النموذج السابق الذي أودى البلد إلى الكارثة…