ماهين شيخاني
في كل بيت شرقي، وفي مجتمعنا الكوردي بشكل خاص، يتردّد سؤال قاتل يبدو بريئًا:
“من تحبّ أكثر..؟.”
أمّك أم زوجتك..؟. إخوتك أم أبناؤك..؟.
سؤال نطرحه بابتسامة، لكننا لا ندرك أنه يزرع في القلوب صراعًا لا معنى له. نريد للحب أن يكون مسابقة، نريد للقلب أن يختار فريقًا واحدًا… وكأن المشاعر ميدان قتال وليس نهرًا متعدد الجداول.
هذه العقلية المريضة حوّلت أنبل عاطفة في الوجود إلى معركة أحقية، ففسدت البيوت، وتقطّعت الأرحام، وضاعت لغة التوازن.
الحبّ، يا سادة، ليس ميزانًا بكفّة واحدة، وليس رقمًا على جدول المقارنات. الحبّ فسيفساء، لوحة من ألوان شتّى. لكل حبّ مقامه، ولكل علاقة نكهتها التي لا تشبه الأخرى.
حبّ الوالدين هو الأصل، الجذر، الامتنان الصامت الذي لا ينقطع.
حبّ الإخوة هو ذاكرة الطفولة، الضحكات الأولى، والتجارب التي شكلتنا.
حبّ الشريك هو الاختيار الحرّ، الشراكة، والسند الذي نكمل به الطريق.
حبّ الأبناء… ذلك الحبّ الغامر الذي يجعلنا نعيش لأجلهم قبل أنفسنا.
لكن أين الكارثة..؟. الكارثة تبدأ حين نحاول حشر هذه المعاني في كفّة واحدة لنرى من الأثقل، فنزرع الغيرة في القلوب، ونخلق حساسيّات داخل البيوت. زوج يخنق زوجته باسم البرّ، وزوجة تحاصر زوجها باسم العاطفة، وأبناء يدفعون الثمن في صمت.
هذه ليست أسئلة بريئة، إنها فخاخ اجتماعية مدمّرة.
الحبّ ليس “إما… أو”. ليس عليك أن تختار بين أمك وزوجتك، أو بين إخوتك وأبنائك. هذه عقلية بدائية لا تفهم أن القلب البشري لا يعمل بمعادلات الجمع والطرح.
القلب ليس ساحة حرب، بل حديقة واسعة تتفتح فيها أزهار مختلفة. لكل زهرة عبيرها. لا تزاحم، لا صراع، لا مقارنة.
أن تحبّ أمّك لا يعني أن تُقصي زوجتك. أن تحبّ أبناءك لا يعني أن تجحد إخوتك. الحبّ لا ينقص حين يُقسم، بل يتكاثر حين يُعطى.
الحبّ لا يُقاس. لا تُسجنوه في كفّة ميزان. لا تحوّلوه إلى مسابقة.
حين نحرّر قلوبنا من وهم المقارنة، سنكتشف أننا لم نكن نحبّ كما ينبغي… كنا فقط نحاول إثبات ولاءات زائفة.
الحبّ يا أصدقائي، ليس سؤالًا يُطرح في جلسة عائلية، ولا معركة نخوضها لنرضي أحدًا.
الحبّ حياة كاملة.
فإما أن نفهمه، أو نقتل أجمل ما فينا بأيدينا.