خالد بهلوي
تتميّز سوريا بتنوّع مكوّناتها البشرية والدينية والثقافية، وهي غنيّة بتقاليد وعادات مختلفة؛ فلكل منطقة لهجتها، وموروثها الشعبي، ولباسها التقليدي، وأسلوب حياتها. يُعدّ هذا التنوّع مصدر فخر، إلا أنه لم يُستثمر بالشكل الأمثل لبناء مجتمع تعددي يحترم الاختلاف.
بل فُرضت “هوية وعقلية شمولية” لا تعترف إلا بمن يقدّم لها الطاعة والخضوع، وتعامَلَت مع الأقليات، ومنهم الأكراد، بالتهميش. لذلك، يقترح هؤلاء ويتبنون، بالإجماع، حكمًا لا مركزيًا أو فيدراليًا بدعم من قوى دولية، مما أثار حساسية كبيرة لدى القيادة الحالية وبعض مكونات المجتمع، وخصوصًا أنصار الحكومة الجديدة.ورغم ما عاناه السوريون من انقسامات، فإن الأمل لا يزال قائمًا في بناء دولة ديمقراطية تعددية تحترم حقوق جميع مكوّناتها. ويتطلب ذلك، أولًا، الاعتراف بالتنوّع، ثم سنّ قوانين وتشريعات تضمن العدالة الانتقالية والمساواة أمام القانون. ومن الأهمية بمكان نشر ثقافة قبول الآخر، وتكريس قيم الحوار والانفتاح لبناء مستقبل مشترك
.الاختلاف في سوريا يمكن أن يُدار بحكمة ومصداقية ورؤية وطنية شاملة، أو يُستغل لتأجيج النزاعات واستمرار التوتر. نأمل أن يتصالح السوريون بجميع مكوّناتهم في المستقبل القريب، وأن يعيدوا بناء وطن يجمعهم لا يفرّقهم. فالتعدّد والاختلاف يُسهمان في بناء ونهضة الحضارات؛ ومع تنوّع أطياف المجتمع، تتباين الأفكار وتختلف المواقف، مما يُغني التجربة المجتمعية ويفتح آمالًا جديدة للتجدّد وبناء المستقبل.
الاختلاف لا يُخيف، لأنه دليل على حيوية المجتمعات وتقدّمها. لكن، حين يُساء فهمه أو يُترجم كتهديد للهوية أو خطر على الثوابت، يتحوّل إلى أداة انقسام، بدلًا من أن يكون جسرًا للتواصل. وهذا ما يسعى إليه أصحاب الفكر المتطرّف، الذين يروّجون للفرقة بين أبناء المجتمع الواحد، على أرضهم وفي وطنهم، بحجة التقسيم والحفاظ على وحدة البلد.
الشعب اليوم بحاجة إلى وعي وثقافة جديدة تعيد النظر في التعامل مع الآخر، لا كخصم، بل كشريك في الوطن والإنسانية؛ لأن الاختلاف والتنوّع يصبّان في مصلحة الجميع، ويشكّلان فرصة لبناء مجتمع متقدّم مشترك، يحقّق مصالح وأمنيات الجميع.مجتمعاتنا التي عُرفت تاريخيًا بتعايشها وتسامحها، تنزلق أحيانًا إلى دوّامات من العنف بسبب خلافات موروثة، كما حدث في ملعب القامشلي بين فريقي الفتوة والجهاد، أو في مناسبة اجتماعية كعرس يتحوّل إلى معركة يذهب ضحيتها أبرياء بلا مبرر! هذه المشاهد لا تعبّر عن طبيعة الشعب السوري، بل هي نتيجة تراكمات من الأخطاء ارتكبتها قوى لها مصلحة في تغذية الفتنة والكراهية. لذلك، فإن تقبّل الآخر بصوت العقل والحوار والاحترام المتبادل هو السبيل لحماية النسيج الاجتماعي.إن المجتمعات لا تُبنى بالحروب، بل بالحوار واستيعاب الآخر، وتغليب العقل على الفتنة والكراهية. فكل رصاصة تُطلق تقتل نفسًا بريئة، وكل يدٍ تُمدّ للمصافحة تفتح نافذة جديدة للتسامح ولمستقبل مشرق.
يبقى الواجب الوطني والإنساني هو منع الاختلاف من أن يتحوّل إلى صراع بين أفراد المجتمع، وأن يكون الاعتذار والتسامح هدفًا يسعى إلى تحقيقه الجميع دون استثناء.
إن الشجاعة الحقيقية لا تكمن في رفع السلاح، بل في محاربة العنف، والحفاظ على أرواح الآخرين.
صحيح أن الماضي شهد الكثير من الجرائم بحق الأبرياء، ورغم صعوبة طيّ تلك الصفحات؛ لا بدّ من العمل معًا، في كل الظروف، على إغلاق أبواب الفتنة والكراهية، والسير نحو مستقبل أكثر عدلًا، تسامحًا، وإنسانية. فهذه مسؤولية كل مواطن صالح يهمّه أمر بلده ومجتمعه