صلاح بدرالدين
من الطبيعي عندما تتوقف المواجهات العسكرية ان كانت حروبا محدودة من المنشأ او بالوكالة ، وهي كلها ذات اهداف سياسية بالنهاية ، تبدأ المفاوضات المباشرة او عبر الوسطاء لتجسيد النتائج على الأرض ، وما نتابعه في الأيام الأخيرة من نوع من التقدم – حتى لو كان بطيئا – في العملية – التفاوضية – في الساحات السورية ، واللبنانية ، والغزية ، والعراقية ، واليمنية ، الى جانب تمهيد السبيل لعودة المفاوضات النووية الإيرانية ، عبارة عن مؤشرات عن بحث الأطراف عن ترتيبات (اليوم التالي) في كل ساحة من تلك الساحات .
بالرغم من استعصاءات ظرفية هنا وهناك فان مشيئة الإرادة الدولية وصناع القرار في العالم بإزالة بؤر التوتر في الشرق الأوسط ، وشل قدرات ميليشيات ، وكيانات ، وتنظيمات – محور الممانعة – تزداد تصميما ، و تنفذ على ارض الواقع ، وبحسب كل الدلائل فانها لن تتوقف ، وكان لنظام ايران الحصة الأكبر منها ، ذلك القرار الذي استهدف جيوب – الحرب بالوكالة – منذ نحو عامين ، والذي اشرنا اليه مرارا ، وتكفلت إسرائيل وبدعم ومشاركة أمريكية مباشرة ، وتشجيع أوروبي ، واقليمي ، بإنجاز المهمة في معظم ساحاتها ، ومازالت الأنظار متجهة نحو تقديمات اليوم التالي في كل حالة على حدة ، والنتائج التي ستترتب عليها في الشرق الأوسط القادم الجديد كما يروج له .
والمرحلة الثانية من العملية ستناط باالانظمة الحاكمة بدعم سياسي غربي التي ستعمل على تجريدها من السلاح ، وحل تشكيلاتها العسكرية – الأمنية ، واستيعابها في المؤسسات المركزية للأنظمة الحاكمة كما يراد له بسوريا بعد اسقاط الاستبداد ، وفي لبنان ، وتركيا مابعد قرار حل – ب ك ك – ، والعراق مستقبلا ، ويجري التحضير له في غزة ، واليمن .
مفهوم – جيوب الممانعة – وتعريفه بمايتعلق بالحالتين الكردية والفلسطينية لم يكن متفقا عليهما من جانب الإدارة الامريكية والغرب عموما والنظام العربي الرسمي ، وتركيا من جهة وإسرائيل من الجهة الأخرى ( الحالة السورية واحداث السويداء كمثال ) ، لذلك نشاهد الان خلافات واضحة وعميقة في مجال القرارات والمشاريع السياسية المتعلقة با ( الأيام التالية ) ، وقد تسد العلاقات المتطورة بين سوريا وإسرائيل وباشراف غربي تلك الفجوة في قادم الأيام .
جماعات محور الممانعة واذرعها ، وتشكيلاتها ، وبؤر وجيوب الحرب بالوكالة التي استهدفت – بالحرب ، والدبلوماسية – كانت متعددة الاشكال ، وموزعة في جغرافيا واسعة تمتد من ايران الى لبنان ، مرورا بسوريا والعراق في خط التفافي آخر يمر من غزة الى اليمن ، واذا كان الطابع العقائدي الديني – المذهبي هو السائد بشكل عام ، فقد تخلله استثناء هامشي ولو بشكل افتراضي يتعلق بالقضية القومية بمايتعلق الامر – بغزة – في فلسطين ، وبحزب العمال الكردستاني في سوريا المتمثل بقسد ، والإدارة الذاتية والمسميات الأخرى .
وفي حقيقة الامر عندما ظهر مصطلح – محور الممانعة – للمرة الأولى ، كان يشمل قاعدته الأساسية المكونة من نظامي ايران وحافظ الأسد ، ثم جميع الأطراف المرتبطة او القريبة من النظام الإيراني مابعد قيام ثورة الخميني عام ١٩٧٩ ، الذي اعلن عن تصدير الثورة ، ودعم الحركات المسلحة ضد جميع الأنظمة القائمة بالمنطقة ، وكانت القائمة في بداية الكشف عنها تضم : ( حزب الله اللبناني – جماعات إسلامية لبنانية سنية – حركتا حماس والجهاد الإسلامي – الحركة الحوثية – ميليشيات عراقية مسلحة ثم الحشد الشعبي – حزب العمال الكردستاني – ب ك ك – وحركات أخرى مثل القاعدة ، وجبهة النصرة وووو) وفي حينها وبالتزامن مع إعلانها تم وصمها بتهمة الإرهاب ، ومايتعلق الامر بجماعات – ب ك ك – السورية طرات تطورات بعد اعتقال – اوجلان – وظهور التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الخلافة الإسلامية – داعش – حيث حاول الامريكان استيعاب تلك الجماعة كقوات مجربة لقتال – داعش – ، وابعادها من مركز – قنديل – ووضعها تحت الأنظار ، ولكنهم وبالنتيجة وبعد سقوط نظام الأسد والوقوف الى جانب الحكومة الجديدة ، لم يتفاجؤوا كثيرا بالابتعاد عنها ، وتخطئة مواقفها ، واختيار الوقوف الى جانب دمشق كما ظهر مؤخرا في تصريحات المبعوث الخاص السفير – باراك – .
البؤر المستهدفة غلب عليها طابع جماعات الإسلام السياسي القريبة من النظام الإيراني تحديدا ، وشمول – حزب العمال الكردستاني – ليس لكونه حركة كردية بل لاسباب تتعلق بالاستراتيجية الإيرانية بالمنطقة ، وتفاعلاتها المتنوعة ، حيث من المعلوم ان مركز – قنديل – العسكري الذي يقود – ب ك ك – خصوصا بعد اعتقال زعيمه ،ترسخ بدعم إيراني مباشر عبر قائد فيلق القدس – قاسم سليماني – وكان يعتبر ومازال في نظر القيادة الإيرانية كرديف استراتيجي عند اللزوم ، وكان للايرانيين الدور الأكبر في إعادة تحالفه مع نظام بشار الأسد بعد ان شابت العلاقات نوعا من الجمود بعد طرد اوجلان من سوريا خلال حكم حافظ الأسد ، وقد كان اللواء آصف شوكت – مدير المخابرات العسكرية السورية ، وصهر الأسد مهندس ترتيب العلاقات من جديد في عام ٢٠١٢ عندما التقى بقيادة مركز قنديل في السليمانية بتسهيلات من الرئيس العراقي حينذاك المرحوم – جلال الطالباني – ومباركة قاسم سليماني .
والوجوه البارزة (السبعة) الذين يقودون الان – ب ي د – و قسد – والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ، هم الذين تصدروا الموجة الأولى في مغادرة معسكر – قنديل – والتوجه الى الجزيرة ، وكوباني ، وعفرين في جبل الاكراد ، ورسم لهم مركز – قنديل – خارطة طريق ، وبرنامج عمل تضمن الجوانب العسكرية ، والاقتصادية – بشان النفط والغاز ، والمعابر – والبشرية في تصدير المقاتلين ، وتامين مصدر مالي جديد للحزب الام ، خاصة في ظرف يمر النظام السوري فيه بالتراجع ، ويعاني الضعف ، ويمكن ابتزازه اذا دعت الحاجة ، واوكل اليهم بمسؤولية المرحلة الجديدة من العلاقات مع النظام السوري الذي قدم لهم الكثير في السنوات الأولى ، وجاء تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لمواجهة تنظيم الدولة – داعش – بمثابة فرصة ثمينة مؤاتية تحققت فيها المظلة الامريكية لمنظمة ادينت بالإرهاب سابقا وحصلت على شهادة حسن سلوك بعد قتال داعش ، ومازال نفس الأشخاص يتولون المسؤوليات ويديرون الازمة التي يبدو انها ستتفاقم اكثر بعد الاصطدام بموقف دمشق والحليف الأمريكي .
تساءلت قبل نحو أسبوعين في مقالة لي هل ستتم معالجة الملف الكردي من الان فصاعدا تحت خيمة الحكومات الإسلامية الحاكمة الان في تركيا وسوريا بعد فشل التيار القومي (الكمالية وحزب البعث) ؟ وهل طبيعة هذه المعالجة تتشابه من قريب او بعيد سياسات الإمبراطورية العثمانية – مابين الملل – تجاه الشعوب والبلدان التي كانت تتبعها ؟ وهل لهذا الموضوع علاقة بالنقد الحاد الذي وجهه المبعوث الأمريكي الى سوريا السفير – توم باراك – الى اتفاقيات سايكس – بيكو التي وضعت النهاية للسلطة العثمانية ؟ او بالتصريحات الصادرة عن أصحاب القرار في الحكومة التركية باعتبار انتهاء صلاحيات معاهدتي (سيفر ولوزان) بعد مائة عام و التي كرست عمليا تجزئة تركيا العثمانية ؟ ، وفي ذات السياق وباتجاه آخر هل ستشكل نتائج الضربات العسكرية الموجهة الى جمهورية ايران الإسلامية بيئة جديدة لانتصار شعوبها في استعادة حقوقها القومية والديموقراطية ؟ تساؤلات قد تجد لها إجابات في الأشهر والاعوام القادمة .