عن أزمة الثقة بين الأقليات والسلطة في سوريا… دراسة تحليلية

عبداللطيف محمدأمين موسى

في ظل التحولات الدراماتيكية لسير تسارع وتيرة الأحداث والمتغيرات الناتجة عن حالة إنعدام أزمة الثقة بين المكونات والأقليات والسلطة الانتقالية في دمشق، يُلاحظ مدى الشرخ والانقسام في المفاهيم التي تُعبر عن التفكير من عدمه في حالة الشعور بالإنتماء إلى الفضاء الجغرافي لسوريا في ظل سلوكيات السلطة الجديدة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد. أن نشوء أزمة الثقة هذه في سوريا بالتأكيد تتجلى في غياب الضمان الحقيقي لصون حقوق الأقليات واحساسها الدائم بالتهميش من خلال سلوكيات وخطوات السلطة المتمثلة باللجوء إلى الشمولية، وتكريسها لمفهوم الاقصاء والمركزية في إدارة الدولة والإصرار على حالة عدم التشاركية بالنفوذ والسلطة ورسم شكل القرار الاستراتيجي في سوريا، وفي ظل النداءات والطلبات الدولية المتكررة لأهمية تعزيز حالة التنوع والتشاركية في سوريا لبناء دولة ديمقراطية تعددية تعمل على صون حقوق كافة الاقليات والكيانات عبر تجسيد حالة القوة والاستقرار في تقديم نموذج حوكمة جديدة في الشرق الأوسط تلبي استحقاقات المرحلة وما تمر به المنطقة وسوريا. الامر الذي وجدت الأقليات والكيانات نفسها في أزمة حقيقة مرتبطة بنظرية الوجود المصيري في سوريا والتي أحداث تجلت في أحداث الساحل السوري والسويداء من عمليات تطهير عراقي تتافي القيم ومفاهيم حقوق الإنسان والقرارات الدولية التي تدعوا الى تكريس مفهوم الديمقراطية وصون حقوق الأقليات. أن البحث العميق في حالة انعدام وضعف الثقة بين الأقليات والسلطة في سوريا تعزو إلى جملة من الأسباب تقودنا إلى جملة من التساؤلات والاستنتاجات للخروج بجملة من الأمور التي لربما تعيد الأمور في سوريا إلى المسار الحقيقي السليم في إعادة بناء وتشكيل شكل جديدة للسلطة تلبى الطموح وتحفظ حقوق المكونات والكيانات والاقليات في سوريا، ومن أهم الأمور التي عززت حالة الانعدام وضعف أزمة الثقة بين السلطة والاقليات حالة التراخي في الخطوات البطيئة التي أتخذتها الحكومة في الإستجابة لحقوق الأقليات، وغياب المبادرة الحقيقة في الانفتاح على المكونات وإنغلاق السلطة على الدائرة الضيقة ذات اللون والصبغة الواحدة في حكم سوريا، الأمر الاخر الذي عزز حالة انعدام أزمة الثقة بين الأقليات والمكونات والسلطة الإنتقالية في سوريا هي حالة التجاهل والتحايل لدى السلطة في دمشق وعدم استجابتها لكافة النصائح والمشاورات والتوصيات والطلبات الدولية لحماية الأقليات وضمان حقوقها ومشاركتها في السلطة والقرار والنفوذ في بناء دولة ديمقراطية تعددية، وبالعكس من ذلك تمامآ قامت السلطة بالتعنت والإصرار على مواقفها في التهميش وتكريس مفهوم المركزية من خلال إجراءات شكلية متمثلة في مؤتمر الحوار الوطني المنعقد في دمشق والذي غاب عنه الممثلون الحقيقيون للمكونات والأقليات، وكذلك تشكيل حكومة الحالية والتي أقتصرت على اللون والصبغة الواحدة مع عدم مراعاة التمثيل الحقيقي للمكونات، وكذلك الآليات الغير السليمة لتشكيل المؤوسسات ولاسيما الجيش والقوى الأمنية السورية التي عززت حالة الفصائلية وعجز السلطة عن إنهاء حالة المليشيات والتشدد وعدم القدرة على الإستجابة في إبعاد الفصائل الأجنبية والمتشددة من غير السوريين عن المواقع والمناصب القيادية في هيكلية الجيش والقوى الأمنية على حساب المشاركة الحقيقية للأقليات والمكونات السورية في تلك المؤوسسات الأمنية مما خلق وعزز حالة الشرخ وعدم الثقة بين السلطة والأقليات . أن عملية ربط السلطة للقرارات التي تحدد مصير ومستقبل المسار الحقيقي للدولة السورية، ومصير وحقوق المكونات والأقليات في سوريا بالأجندات الإقليمية والدولية كانت من أهم الأمور التي عززت حالة عدم الثقة بين الأقليات والسلطة والتي تمثلت في مصادرة قرار السلطة والتدخل التركي الصريح بالقرارات والخطوات التي تهم مصير الدولة السورية ومحاولاتها المتكررة في فرض املأت على السلطة عبر الإصرار على بسط السيادة والمركزية وعدم قبول اللامركزية تحت مسميات تفتيت الدولة الأمر الذي خضعت له السلطة في دمشق على نحو كبير في عدم الإستجابة لمبادرات الوفد الكُردي المشترك، والإصرار على حل ودمج قسد مع قوات السلطة، ورفض التعاطي مع الخصوصية الدرزية في السويداء، وربط المسألة الطائفة العلوية برمتها بقضية محاسبة الفلول، واتهامات السلطة المتكررة للأقليات بالعمالة والخيانة عبر الارتباط والولاء للخارج، وكذلك ربط السلطة وخضوعها للانحياز لأحد أطراف الصراع التركي الإسرائيلي على سوريا مما دفع بعض الأقليات في التفكير ولضمان وجودها في الاستقواء بالخارج في ظل التهديد المصيري لوجودها ولاسيما بعد مجاز الساحل والسويداء وعمليات القتل والتطهير العرقي، وكذلك عجز السلطة في إيجاد التوازن بين الصراع العربي التركي على النفوذ في سوريا، وربط الحل العسكري للدخول إلى السويداء مع مباحات السلطة وإسرائيل في أذربيجان، وأستغلال السلطة للانفتاح الدولي معها الأمر الذي حاولت السلطة استثماره في فرض السيطرة العسكرية على حساب حقوق الأقليات. أن إحساس الأقليات والمكونات بالتهميش والتجاهل من قبل السلطة في دمشق تُعد من الأسباب الرئيسية في تكريس حالة فقدان الثقة بين الأقليات والسلطة من خلال تهميش السلطة لكافة منظمات المجتمع المدني والنخب السياسية والأكاديمية لدى الأقليات والمكونات في سوريا بل كرست السلطة عملية الإعتماد على الصبغة الواحدة والتي تناسبها في المصالح والأيديولوجيات .في الخلاصة، في ظل ما تشهده سوريا من حالة القرب في الوصول إلى نقطة اللاعودة والتي تلخص حالة تعزيز مفهوم أزمة الثقة بين السلطة وكافة المكونات والأقليات السورية، يمكن القول بأن السلطة الإنتقالية مطالبة بإتخاذ جملة من الخطوات الضرورية والعائلة المتمثلة في عملية إعادة الثقة بالسلطة وتتجلى في جملة أمور ومنها الدعوة العاجلة لمؤتمر حوار وطني حقيقي تشارك فيه كافة المكونات والأقليات والفئات ومنظمات المجتمع المدني في سوريا لرسم خارطة طريق تُعيد سوريا إلى المسار السليم في بناء دولة تعددية ديمقراطية يتشارك فيها الجميع السلطة وإدارة النفوذ، وكذلك مراجعة الإعلان الدستوري بما يتناسب مع متطلبات المرحلة للحالة السورية الحقيقة من كافة النواحي، وكذلك إعادة النظر بهيكلية كافة مؤسسات الدولة ولاسيما المؤوسسات الحكومية ومنها الدفاع والداخلية والقوى الأمنية، وإعادة بناء علاقة سوريا الدولية والإقليمية على أساس بما يخدم المصلحة المشتركة لإعادة عملية بناء سورية الحديثة، وتعزيز عجلة الاقتصاد السوري، وكذلك العمل على التخلص من الهيمنة الإقليمية من خلال مصادرة القرار السوري، وإنهاء إصرار بعض الدول الإقليمية الغير مبرر بالتهديد المتكرر في تحول سوريا إلى دولة فوضى وارهاب وإصرار بعض تلك من على الحفاظ على هذه السلطة في دمشق، ماعدا ذلك برأي ستكون تأثيرات سير الأحداث والتغيرات الجيوبولتيكي في سوريا على شكل المنطقة ودول الجوار وسياسة محاور النفوذ العالمي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…