السُنّة في سوريا مكون مأزوم بين فقدان الشرعية وسوء التقدير

محمد حمو

رغم أن المكون السني كان، وما يزال، يشكل الثقل الديمغرافي الأكبر في سوريا، إلا أن ما بدا في السنوات الأخيرة من تحوّله إلى “المنتصر” العسكري في بعض المناطق عبر تحالفاته مع تركيا وقطر، لم يكن سوى انتصار شكلي أجوف، لم يُترجم لا إلى شرعية محلية ولا إلى اعتراف دولي. إنما تحول المكون السني، بفعل تلك التحالفات، إلى أداة في خدمة السياسات التركية أكثر منه فاعلًا وطنيًا مستقلًا.

في الواقع، يمكن القول دون مبالغة إن أكبر الخاسرين في الحرب السورية كان هذا المكون نفسه، من حيث لا يدري. فإلى جانب المعاناة الهائلة من التهجير والدمار، سقط في فخ سوء التقدير السياسي وغياب المشروع الوطني الجامع، وسمح بتمرير تصفيات داخلية وانتهاكات ضد مكونات المجتمع السوري الأخرى، الأمر الذي شوّه صورته في الذاكرة الجمعية لبقية السوريين.

لقد لعب التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين والدولة التركية دورًا محوريًا في هذا الانحدار. فبدلًا من أن يلعب بعض الفاعلين داخل هذا المكون دور الجسر الجامع لبناء شراكة وطنية شاملة، تحولوا إلى أدوات لخدمة أجندات إقليمية، وانخرطوا في مشاريع إقصائية وتغوّلية، طالت الكرد، والعلويين، والمسيحيين، والدروز، بل وحتى السنة المستقلين الذين رفضوا الخضوع لهذا المسار.

واليوم، تلاشى الرصيد المعنوي والسياسي للسنة السوريين، وفُقدت مصداقيتهم في عيون المكونات الأخرى، التي باتت ترى فيهم، بمرارة، مجرد أدوات لمشروع تركي-إخواني لا يحمل من الوطنية إلا شعاراتها. وهنا تتجلى أقسى المفارقات: المكون الأكبر في البلاد، الذي كان يمكن أن يكون العمود الفقري لوحدة سوريا المستقبلية، أصبح رمزًا للتشظي وسوء التقدير وسلوكيات مرفوضة، تجلّت في الممارسات الفوضوية في عفرين والساحل والسويداء وغيرها من المناطق.

إن ما يحتاجه المكون السني اليوم ليس المزيد من الدعم الخارجي ولا السلاح، بل وقفة نقد ذاتي حقيقية، ومصارحة مع الذات، من أجل استعادة مشروع وطني جامع، يقوم على الاعتراف بالآخر، وبناء الشراكة، واحترام التعدد، لا على الاستئثار والاستقواء.

بدون هذه المراجعة، ستبقى الشرعية غائبة، والمصداقية مهزوزة، وسيبقى هذا المكون عالقًا في قفص الصورة المشوهة التي أنتجتها الحرب، وسوء الاختيارات، والتبعية العمياء.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…