سوريا بين الانفتاح السياسي والصراع الاقتصادي في مرحلة ما بعد الثورة

أحمد آلوجي

 

منذ تولّي احمد الشرع للسلطة في سوريا، بدأت البلاد تشهد نوعا من الانفتاح السياسي والاقتصادي، خاصة تجاه الدول الإقليمية، وعلى رأسها دول الخليج. هذا الانفتاح لم يكن مجرد خيار، بل ضرورة فرضتها التغيرات الداخلية والإقليمية. وقد لعبت السعودية دورا محوريا في هذا التحول، حيث بادرت بإعادة جسور التواصل مع دمشق، وشاركت في جهود إقناع بعض الدول الغربية، خاصة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وخصوصا تلك التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية والاستثمار في بعض القطاعات الحيوية كالنفط والمصارف.

    السعودية رأت في استقرار سوريا مصلحة إقليمية، وسعت إلى لعب دور متوازن في الملف السوري، من خلال الدفع باتجاه إعادة دمشق إلى محيطها العربي، والتخفيف من التأثيرات الإيرانية والتركية في الداخل السوري. هذا التوجه فتح بابًا أمام استثمارات خليجية محتملة في مشاريع إعادة الإعمار، لا سيما في مجالات البنية التحتية والطاقة، ولكن هذه الاستثمارات لا تزال تصطدم بعقبات عديدة.

   من أبرز هذه العقبات هو الصراع بين عدة أطراف على النفوذ الاقتصادي في سوريا. تركيا تسعى لتثبيت وجودها في مناطق الشمال من خلال شركاتها ومؤسساتها الإعمارية، بينما تواصل الولايات المتحدة دعم المكونات المحلية شرق الفرات، ما يعقّد من إمكانية إطلاق مشاريع تنموية كبرى هناك. أما دول الخليج، فبينما تملك المال والخبرة، فإنها تتردد أحيانًا بسبب استمرار بعض العقوبات الأميركية، وعدم وضوح البيئة القانونية والسياسية في سوريا.

   في السياق نفسه، لا يمكن إغفال أهمية العلاقة الاقتصادية والسياسية مع العراق، وخاصة مع إقليم كوردستان، الذي تربطه علاقات قديمة مع مناطق شمال وشرق سوريا. المعابر التجارية بين الجانبين يمكن أن تتحول إلى شرايين حياة، وتُسهم في تنشيط الاقتصاد، إذا توفرت الإرادة السياسية وتم ضبط الفوضى الأمنية.

   لكن التحديّات الداخلية تظل حاسمة. فوجود بعض الفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة يعيق الاستقرار ويُخيف المستثمرين. كذلك، فإن غياب حل سياسي عادل للمسألة الكردية – وهي قضية تعود جذورها إلى خمسينيات القرن الماضي – يظل مصدر توتر دائم. الكرد في سوريا ناضلوا طويلا من أجل نيل حقوقهم الثقافية والسياسية، وأي مشروع تنموي حقيقي لا بد أن يمر عبر مصالحة وطنية شاملة تعترف بحقوقهم وتضمن مشاركتهم ومشاركة الاثنيات الأخرى في إدارة الدولة.

بالمجمل، فإن سوريا أمام فرصة نادرة للانفتاح والبناء، لكن تحقيق ذلك يتطلب قرارات شجاعة في الداخل، وتعاونا إقليميا متوازنا في الخارج. فقط عبر المصالحة والشفافية والاستقرار يمكن لسوريا أن تستعيد دورها ومكانتها.

========

صحيفة كوردستان – العدد 754

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…