ذكرى تأسيس الحركة الكردية في سوريا : دعوة لوحدة الذاكرة والمصير

طه بوزان عيسى 

 

منذ ثمانية وستين عاماً على انطلاقة الحركة السياسية الكردية في سوريا، والسجال لا يزال يتكرر سنوياً حول السؤال ذاته: أي حزب كان الأول في التأسيس؟

وفي كل عام، وتحديداً في الرابع عشر من حزيران، يطل هذا الجدل برأسه من جديد، حاملاً معه روايات متضاربة ومقاربات حزبية مشحونة بروح التنافس، وكأن الأولوية التاريخية تمنح شرعية سياسية أو تفويضاً وطنياً تلقائياً.

إن التركيز المزمن على مسألة الأسبقية في التأسيس، في ظل ما تعانيه الحركة من انقسامات وتشتت، يُعد شكلاً من أشكال الهروب من النقد الذاتي، ويعكس أزمة أعمق تتعلق بانعدام الرؤية المشتركة وآليات المراجعة الجادة.

ما تحتاجه الحركة اليوم ليس إعادة كتابة تواريخ متنازع عليها، بل إعادة تقييم المسار برمّته: أين نجحنا؟ أين فشلنا؟ وما الذي يجب تغييره من أجل بناء مشروع وطني كردي جامع يواكب تطورات الواقع السوري والكردي على حد سواء؟

هل هناك فعلاً أهمية حاسمة في أن يكون اسم الحزب الأول هو الديمقراطي الكردي في سوريا او الديمقراطي التقدمي أو البارتي أو الديمقراطي الكردستاني؟ وهل تمنحنا هذه التسميات شرعية سياسية أقوى أو حقوقاً إضافية في الواقع المعقّد الذي نعيشه؟ المؤسف أن كثيراً من الخطاب السياسي الكردي ما زال عالقاً في دوامة، من كان أولاً ؟ بينما يغيب السؤال الأهم: ماذا أنجزنا منذ ذلك الوقت؟

ولماذا لا نمتلك إلى الآن برنامجاً سياسياً موحداً يعبّر عن آمال هذا الشعب ويواجه التحديات المتغيرة؟

السجال السنوي في 14 حزيران حول أسبقية التأسيس ليس مجرد حدث ثقافي أو تاريخي، بل هو انعكاس لتشرذم سياسي مزمن بات يعيق تطور الحركة الكردية نفسها.

بدل أن يكون هذا اليوم مناسبة لإعادة تقييم التجربة ومراجعة البرامج، يتحوّل كل عام إلى موسم للادعاءات والتراشق التاريخي.

أليس من الأجدر أن تتبنى جميع الأحزاب الكردية هذا التاريخ، لا بوصفه مناسبة حزبية ضيقة، بل كمحطة جامعة تُجسد ولادة الوعي السياسي الكردي المنظم في سوريا؟

ما الذي قد يخسره أي حزب إذا اعترف بهذه الحقيقة؟ لا شيء. بل على العكس، سيكون ذلك خطوة في اتجاه النضج السياسي، واعترافاً بأن الحركة الكردية هي نتاج جهود جماعية متعددة المسارات، لا حكرٌ على طرف دون آخر.

اعتماد 14 حزيران كيوم جامع للحركة الكردية يمكن أن يشكل مدخلاً لرص الصفوف وبناء ذاكرة سياسية موحّدة، وهي خطوة طال انتظارها، ولن تتحقق ما لم يتجاوز الجميع منطق الامتلاك الحصري للتاريخ.

وفي هذه المناسبة، لا بد من توجيه تحية احترام ووفاء للمؤسسين الأوائل للحركة الكردية في سوريا، أولئك الذين شقّوا الطريق في ظل ظروف قاسية من القمع والتجاهل.

منهم الراحل عبد الحميد درويش، وعثمان صبري، وحمزة نويران ، ونور الدين ظاظا ، ومحمد علي خوجة، وسيداي جكرخوين وغيرهم من المناضلين الذين اجتمعوا حول هدف بسيط وعميق في آن: أن يكون للكرد في سوريا صوت سياسي منظم، يدافع عن وجودهم وحقوقهم.

لقد قدم هؤلاء المؤسسون جهداً كبيراً وتحمّلوا الملاحقة والسجن والإقصاء، لا من أجل اسم حزب، بل من أجل قضية شعب.

والواجب الأخلاقي والسياسي يُحتّم علينا أن نواصل ما بدؤوه بوحدة أكبر، ونزاهة أوضح، ورؤية أبعد من حدود الاسم والتاريخ .

١٤/٠٦/٢٠٢٥

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…