شريف علي
في اجتماعه الأخير بتاريخ 10 كانون الأول الجاري، أعلن المجلس الوطني الكوردي عن اقتراب انعقاد مؤتمره الخامس، وهو حدث لا يمكن التعامل معه بروتينية أو مجاملة، بل باعتباره محطة فاصلة في تاريخ الحركة السياسية الكوردية. فالمجلس الذي تأسس ليكون إطارًا جامعًا للأحزاب والقوى الكوردية ورافعة جامعة لنضاله، يواجه اليوم سلطة انتقالية أثبتت أنها ليست سوى نسخة من النظم العروبية ، سلطة ترفع شعارات الديمقراطية والتسامح بينما تمارس الإقصاء ذاته، وتتنكر للشراكة الكوردية وبقية المكونات في الدولة السورية، وكأن دماء الشهداء الكورد وتضحياتهم لم تكن جزءًا من معركة التحرر.هذا التنكر ليس مجرد تجاهل، بل هو سياسة ممنهجة لإعادة إنتاج عقلية شوفينية ترى في الكورد مواطنين من الدرجة الثانية، وتتعامل معهم كأداة ظرفية لا كشريك أصيل في الوطن.
انعقاد المؤتمر الخامس لا ينبغي أن يُختزل في بروتوكول تنظيمي أو خطاب مجاملة؛ إنه لحظة مواجهة صريحة مع الذات أولًا، ومع الآخر ثانيًا. على المجلس أن يتجاوز لغة الحذر والرمادية، وأن يعلن بوضوح أن تغييب الكورد عن مواقع القرار ليس مجرد خطأ إداري، بل التفاف متعمد على مبادئ الثورة السورية، وإعادة إنتاج لسلطة مركزية لا مكان فيها للتعددية. أي مشروع سياسي يتجاهل الحقوق القومية والسياسية للشعب الكوردي هو مشروع ساقط قبل أن يولد، لأنه يتناقض مع حقائق الواقع ومع تضحيات شعب قدّم الكثير من أجل الحرية. ومن هنا، فإن المؤتمر الخامس يجب أن يخرج بموقف صريح يضع المجتمع الدولي والقوى الفاعلة أمام مسؤولياتها، ويؤكد أن الكورد لن يقبلوا أن يكونوا مجرد زينة في مشهد سياسي يُدار بعقلية إقصائية. من جهتها الجماهير الكوردية التي تنتظر هذا المؤتمر لن ترضى بخطابات مكررة أو وعود مؤجلة؛ إنها تطالب بمواقف حازمة وخطوات عملية تعيد الثقة بين المجلس وقاعدته الشعبية، وهنا لا بد من الإشارة الى المسؤولية الأساسية التي تقع على عاتق الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا بما يمثله هذا الحزب من دور محوري في المجلس.
إن الجماهير الكوردية لن تمنح المجلس صكًّا على بياض؛ فهي تنتظر منه مواقف حاسمة وخطوات عملية جادة تعيد الثقة بينه وبين قواعده الشعبية. الفشل في ذلك لن يعني مجرد إخفاق عابر، بل سيعني أن المجلس فقد شرعيته، وترك الساحة مفتوحة أمام السلطة الانتقالية وأطراف أخرى لتكريس التهميش والإقصاء. في حين أن النجاح في بلورة موقف موحد وشفاف وحازم، فسيعيد للكورد مكانتهم كفاعل أساسي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية مقبلة.
المؤتمر الخامس ليس اجتماعًا روتينيًا، بل امتحان تاريخي سيكشف إن كان المجلس الوطني الكوردي قادرًا على أن يكون صوت شعبه الحقيقي، أو سيظل أسير الحسابات الضيقة التي كبّلته في السنوات الماضية.
.10 ديسمبر 2025