اليابان وسوريا – مساران مختلفان بعد الدمار

 مسلم شيخ حسن – كوباني

في عام ١٩٤٥، خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية مدمرة تماما مدنها أنقاض واقتصادها منهار وشعبها يعاني من وطأة الكارثة. لم يبق للبلاد من مقاومة سوى عزيمة شعبها الفولاذية. بدلاً من الاستسلام لليأس قرر اليابانيون تحويل هزيمتهم إلى منطلق لنهضة غير مسبوقة. من خلال العمل الجاد والانضباط استثمروا في التعليم والبحث والابتكار محولين أنقاض الحرب إلى أساس لبناء دولة حديثة ومزدهرة. في غضون بضعة عقود أصبحت اليابان قوة اقتصادية عالمية تضرب بها الأمثال في الإصرار والنجاح.

في الوقت نفسه تقريباً كانت سوريا تفتح أبواب استقلالها عام ١٩٤٦ بعد عقود من الاستعمار الفرنسي. يومها حلم السوريون بدولة حرة ديمقراطية تعلي شأن العلم وتبني الإنسان لكن المسار سرعان ما انحرف عن أهدافهم. بدلاً من أن تزدهر في ظل الحرية دخلت البلاد في دوامة من الانقلابات والصراعات وتحولت الدولة إلى سلطة مركزية قمعية حكمت بالنار والحديد. ومع استيلاء حزب البعث ثم عائلة الأسد على السلطة تحولت سوريا الى سجن كبير تكمم فيه الافواه ويستغل فيه التنوع القومي والطائفي لترسيخ السلطة من خلال سياسة (فرق تسد) التي أدت في النهاية إلى التشرذم والانقسام بين ابناء الوطن .

في منتصف القرن العشرين واجهت اليابان وسوريا واقعاً متشابهاً من الدمار والانهيار الاقتصادي لكن الفارق كان في العقلية والقيادة والرؤية. فاليابان اختارت طريق العلم والعمل الجاد مؤمنة بقدرة البشرية على الابتكار والتغيير بينما اختارت الأنظمة في سوريا طريق القمع والفساد، فحاربت الكفاءات وهمشت المبدعين وإنكار الحقوق القومية عن مكونات أصلية كالشعب الكردي الذي عانى طويلاً من التمييز والحرمان.

استثمرت اليابان في شعبها وحققت إنجازات باهرة بينما استنزف النظام السوري الإنسان فدفع بالبلاد الى الكارثة مما أدى إلى انهيار البلاد. وبينما أصبحت اليابان رمزاً للتقدم والانضباط والكرامة الوطنية غدت سوريا رمزاً للمعاناة والحروب والانقسامات .

إن المقارنة بين اليابان وسوريا ليست مقارنة بين مصيرين محسومين سلفاً بل بين خيارين إنسانيين واضحين خيار البناء والمعرفة والإرادة وخيار القمع والدمار والفشل. فحين يطلق سراح الحرية والعقل تزدهر الأوطان وحين يقيد الإنسان وتكمم الأفواه تدفن الأحلام في مهدها ويصبح التاريخ مرآة لخيبة صنعها الطغيان .

 13/ 11 / 2025

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…