شيرزاد هواري
بعد طول ترقب وانتظار، جاءت الدعوة الأخيرة من رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا للتفاوض مع ممثلي مختلف المكونات السورية، وفي مقدمتهم الكرد في غرب كوردستان، عبر المجلس الوطني الكردي، الذي يعتبر الممثل السياسي الشرعي لهم. هذه الدعوة جاءت بعد سلسلة من الأزمات والصراعات الداخلية، مما أعطى الكثير من الأمل في إمكانية الوصول إلى حلول سياسية حقيقية. فالمجلس الوطني الكردي كان دوماً حريصاً على الحفاظ على خطه السياسي المتزن، الذي لم يتلطخ بالدماء السورية.
يعد المجلس الوطني الكردي المظلة السياسية التي تمثل الكرد في غرب كوردستان في محافل السياسة المحلية والدولية، دون أن يتورط في الصراعات العسكرية أو الخلافات التي شهدتها المنطقة. وعلى الرغم من تفاوت المواقف في الشارع الكردي بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه، فإن المجلس استمر في تبني خط حوار مفتوح مع مختلف الأطراف، بما في ذلك السلطة السورية في دمشق.
المفاوضات الكردية الكردية الأخيرة، التي توجت بمؤتمر قامشلو، شكلت نقطة تحول مهمة في هذا السياق. فقد أثمرت هذه المفاوضات عن تشكيل “الوفد الكردي المشترك”، الذي بات يمثل الكرد في المفاوضات مع السلطة الانتقالية في دمشق. هذه الخطوة، التي حظيت بدعم دولي وإقليمي واسع، تُظهر رغبة الأطراف الكردية في وضع حل مستدام للمسألة السورية، مع التأكيد على ضرورة أن تكون جميع المكونات السورية جزءاً من الحل.
ومن بين أبرز التطورات السياسية التي شهدتها الساحة السورية في الآونة الأخيرة، يبرز التفاهم بين قائد (قسد) مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع الجهود الحثيثة نحو تقريب وجهات النظر وتوسيع دائرة الحوار، وهو ما يراه البعض خطوة تاريخية نحو بداية مرحلة جديدة في علاقات الكرد مع الدولة السورية. هذه التفاهمات قد تسهم في تحقيق الاستقرار وتحفيز الأطراف السورية على تجاوز الخلافات الموروثة والاتجاه نحو مرحلة انتقالية فعلية.
رغم هذه التطورات المشجعة، فإن الطريق نحو الحل السياسي السوري لا يزال محفوفاً بالعوائق. فبعض الأطراف المحلية والإقليمية تستمر في محاولة عرقلة أي خطوة نحو المصالحة، سواء عبر التهجم على خصومهم أو نشر الشائعات حول نوايا بعض القوى السياسية. في هذا السياق، لا تزال بعض القوى التي تدعي تمثيل الكرد تسعى لتفكيك الوحدة الكردية، مستغلة أي فرصة لاتهام المجلس الوطني الكردي بالتقصير أو الخيانة، في حين تحاول فرض أجندات ضيقة تتجاهل المصلحة العامة.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل التأثيرات السلبية التي قد تنشأ نتيجة للمواقف المتشددة من بعض الأطراف التي تضع عراقيل أمام الحوار. فالتوجهات التي تسعى لتحليل ما يناسبها وتحرم الآخرين من حقوقهم لا تساهم في بناء الثقة بين جميع المكونات السورية. هذا الأمر يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول مدى جدية الأطراف المعنية في تحقيق تقدم حقيقي نحو الحل، ومدى استعدادها للتخلي عن أجنداتها الضيقة لمصلحة سورية واحدة موحدة.
المجلس الوطني الكردي واللامركزية: المطالب والآمال
أكد المجلس الوطني الكردي مراراً سعيه لتحقيق اللامركزية السياسية والإدارية الموسعة في مناطق التواجد الكردي السوري جغرافياً. هذا المطلب ليس مجرّد رؤية سياسية للكرد وحدهم، بل هو طموح يعتقد المجلس أنه يُعد خطوة أساسية نحو بناء سوريا ديمقراطية متعددة لا تستثني أيّ مكوّن من مكوّناتها. اللامركزية المقترحة تستلزم تغييرات دستورية هامة، وتعد بمثابة الطريق الأفضل لبناء مستقبل سياسي شامل، يوفر الحكم الذاتي الكامل للمناطق الكردية مع ضمان حقوق باقي المكونات السورية.
وفقًا للمجلس، هذا المسار ليس مجرد مطلب كردي، بل هو السبيل الوحيد المتبقي للحفاظ على وحدة سوريا وشراكة مواطنيها في مواطنة عادلة ومتساوية. ووفق رؤية المجلس، لن يكون هناك من خيار آخر أمام السوريين سوى إيجاد حلول سياسية جذرية على أساس دستور عصري يحترم كافة الأطراف السورية. إذا لم تتحقق هذه المطالب، فإن فرص استقرار النظام الانتقالي ستكون محدودة، وستواجه سوريا تحديات أكبر قد تدفعها نحو القرار الدولي. هذه المخاوف تأتي في إطار غياب توافقات محلية حقيقية، ما يعني أن السوريين سيجدون أنفسهم مجبرين على العودة إلى مظلة مجلس الأمن الدولي.
قدرة المجلس الوطني الكردي على التفاوض والحفاظ على انسجامه
اليوم، يُعتبر المجلس الوطني الكردي في وضع حساس للغاية، إذ يواجه تحدياً دبلوماسياً فريداً. فالمجلس مطالب بقدرة استراتيجية على التفاوض مع حكومة سوريا الانتقالية، مع الحفاظ في الوقت ذاته على جماهيره الكردية في سوريا. بعد المشاركة الإيجابية في مؤتمر قامشلو، الذي توج بإنشاء “الوفد الكردي المشترك”، تظل المرحلة المقبلة مرهونة بقدرة المجلس على مراجعة الحسابات السياسية الخاصة به.
التقييم الفعّال لدوره السياسي ومشاركته في التفاوض عبر الوفد الكردي المشترك سيكون العامل الحاسم في تحديد كيفية دفع العملية السياسية قدماً. على المجلس أن يوازن بين الطريق السياسي الذي يتطلب التفاوض مع دمشق والحفاظ على موقفه الثابت من الحقوق الكردية، وبين القدرة العسكرية التي يمتلكها عبر قسد، خصوصاً بعد منح الطرف الآخر تكليفاً بالتفاوض العسكري.
التحديات المستقبلية وآفاق الحل:
مع كل خطوة جديدة نحو الحل، تزداد الآمال في قدرة السوريين على تجاوز الصعوبات والعراقيل. ومع ذلك، فإن الخلافات السياسية والطائفية لا تزال تؤثر بشكل كبير على سير العملية السياسية. وعليه، سيكون من المهم أن تظل الدعوات للحوار شاملة لجميع المكونات السورية، وأن يتم التركيز على تقديم حلول توافقية تدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
إن الدور الذي يمكن أن يلعبه المجلس الوطني الكردي في هذه المرحلة التاريخية هو دور بالغ الأهمية. إذ يستطيع المجلس من خلال مواقفه الثابتة وتوجهاته الحكيمة أن يكون جسر التفاهم بين مختلف القوى السياسية في سوريا. وإذا استمر في نهجه الثابت والمتوازن، فإن الفرص لتجاوز الأزمة السورية ستظل ممكنة.
ختاماً، قد تكون دعوة الرئيس السوري الأخيرة خطوة نحو إعادة بناء الثقة بين الأطراف السورية، ولكن نجاح هذه المبادرة يعتمد على مدى استعداد الأطراف كافة لتقديم تنازلات حقيقية والعمل معاً لبناء سوريا الجديدة عبر مشاركة حقيقية.