الكورد في سوريا بين وحدة المصير وصراع الأوهام

محمود برو

لقد علمنا التاريخ أن قانون وحدة وصراع الأضداد ليس لعنة بل محرك للتطور. فالاختلاف الطبيعي بين الرؤى والاتجاهات يمكن أن يتحول إلى قوة خلاقة تدفعنا إلى الأمام، إذا أُحسن إدارته. لكن ما نعيشه اليوم ليس وحدة تبنى على التعدد، ولا صراعا يقود إلى التقدم، بل انغماسا مرضيا في أيديولوجيات متحجرة، ونبشا عقيما في الماضي السحيق.

لقد أساءت الحركة السياسية عموما إلى فهم القانون. فبدل أن تجعل التناقضات وسيلة لتوليد مشروع جامع، حولتها إلى سلاح لتفتيت الصف وتوزيع الولاءات. وبدل أن تتوجه إلى المستقبل، انشغلت بجدالات الماضي، وكأنها تعيش خارج صيرورة التاريخ. وهكذا ضاع المصير الكوردي بين زوابع حزبية ومزايدات أيديولوجية لا تشبع جائعًا ولا تحمي حقا.

نعم، إن كونفراس وحدة الرأي والموقف في قامشلو بتاريخ ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٥ جاء خطوة نظرية صحيحة على طريق البحث عن التلاقي، لكنه لم يقارن بخطوات عملية ملموسة. فالمخاطر تتضاعف حين يظل الخطاب في حدود الشعارات والبيانات، بينما الواقع الميداني يجرنا نحو الانقسام والعودة إلى الماضي السحيق. إن غياب الممارسة العملية بعد هذا الكونفراس لا يعكس فقط عجزا عن التوحيد، بل يشكل خطرا جديدا على القضية الكردية نفسها.

إن ثمن هذا الاستخدام الخاطئ كان فادحا: تآكلت الثقة الشعبية، وانقسم الموقف القومي، وتحول شعبنا إلى رهينة لتجاذبات إقليمية لا ترحم. إن التاريخ لا يرحم المتقاعسين، ولا ينتظر المنقسمين. ومن يقف عند عتبة الماضي يخرج من ركب الحاضر ويقصى من صناعة المستقبل.

إننا نقولها بوضوح: القضية الكردية في سوريا أكبر من أي حزب وأوسع من أي أيديولوجيا. مصيرنا القومي ليس ورقة للمساومة بين زعامات تتناحر على الوهم، بل مسؤولية تاريخية تفرض علينا جميعا أن نرتقي فوق خلافاتنا.

اليوم، الحاجة ملحة إلى جبهة إنقاذ كوردية واسعة، تتجاوز الحسابات الضيقة وتضع مصلحة الشعب فوق مصالح الأحزاب. جبهة تؤمن بحق تقرير المصير، وتوحد الطاقات، وتُحول التناقضات إلى قوة دفع نحو مستقبل يليق بشعب قدم آلاف الشهداء في سبيل الحرية.

لقد آن الأوان أن نفهم أن الصراع بيننا ليس قدرا أبديا، بل خطأ في إدارة قوانين التاريخ. فلنحول الأضداد إلى رافعة، لا إلى فأس تهدم ما تبقى من وحدتنا. فإما أن نصنع مستقبلنا بإرادتنا، أو سندفن جميعا تحت ركام خلافاتنا.

التاريخ أمامنا يفتح أبوابه، فإما أن نكون أهله ونكتب صفحته القادمة ، أو نُترك خارجها قرنا آخر من الانتظار والخذلان.

المملكة النرويجية، ١٠/٩/٢٠٢٥

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…