شيرزاد هواري
في زمنٍ يفترض أن نرتقي فيه إلى مستوى الحوار الراقي والاحترام المتبادل، ما زلنا نرى – بكل أسف – أن أي رأي يُطرح من شخصية مناضلة وذات تاريخ طويل في مسيرة الحركة الوطنية الكردية السورية، يُقابل أحياناً بالاتهام والتهجم بدل أن يكون موضوعاً للنقاش الجاد والبنّاء.
لقد شكّل منشور الفيسبوك الذي خطّه الشيخ أمين كولين – تلك القامة البارزانية المعروفة في عفرين، بتاريخها الحافل بالنضال والتضحيات والمعاناة، بل وبحياته التي استنزفها في سبيل عدالة القضية الكردية – مثالاً مؤلماً على هذه الحالة. فبمجرد أن عبّر الشيخ عن وجهة نظره، تحولت صفحات التواصل إلى ساحة هجوم وشتائم، عوضاً عن أن تكون منبراً للحوار المسؤول وإبداء النقد الموضوعي.
هكذا إذن، تُقابل كلمات المناضلين القدامى، الذين ذاقوا مرارة السجون والتعذيب منذ خمسينيات القرن الماضي، بموجة من الإساءة والاتهام، في وقتٍ كان الأجدر فيه أن نقرأ منشورهم بعين الاعتبار والتقدير، وأن نردّ بالرأي والحجة لا بالصوت العالي والتهكم.
إنّ ما حدث لا ينفصل عن تراكمات الإهمال التاريخي لعفرين وأهلها، وتجاهل تمثيلهم العادل في مسيرة الحركة الكردية بمختلف أحزابها وقياداتها. عفرين التي لطالما دفعت الثمن، تُركت في كثير من الأحيان على هامش الحسابات، وكأنها مجرد تفصيل ثانوي في الملف الكردي السوري. هذا التهميش المستمر خلق شعوراً بالخذلان لدى أبنائها، وكان طبيعياً أن ينفجر التضامن مع الشيخ أمين كولين، لا لشخصه فحسب، بل لما يمثله من صدقٍ وتجربةٍ وأهليةٍ تحظى بالاحترام.
ويبقى السؤال الجوهري: هل هكذا نعامل المناضلين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة قضيتهم؟ أليس من الأجدر أن نكرّمهم وهم أحياء، بدلاً من أن نزيد أوجاعهم بإساءة أو اتهام؟ إن التاريخ لا يرحم، والمجتمعات التي تنكر فضل رجالها لا تستطيع أن تبني مستقبلاً متماسكاً ولا ذاكرة جماعية متينة.
وفي الوقت الذي يبقى فيه أهل عفرين متمسكين بالأمل ومنتظرين نتائج الكونفرانس الكردي المشترك، فإن تطلعهم ينصبّ على البدء الفعلي بمسار تفاوضي يفضي إلى إحقاق الحقوق. فالكثير من الأهالي يتطلعون إلى اليوم الذي يعودون فيه إلى ديارهم في عفرين وتل أبيض ورأس العين بكرامة وأمان، خصوصاً بعد اتفاقية العاشر من آذار مع الحكومة الانتقالية السورية، التي أعادت إحياء بارقة أمل بفتح صفحة جديدة، تُنصف المظلوم وتعيد الاعتبار للمهجّرين.
والخيرون السوريون، من مختلف الانتماءات، ينتظرون إتمام التفاهمات الوطنية بين ممثلي الكرد المنبثقين عن الكونفرانس الكردي المشترك، وبين إدارة الحكومة الانتقالية، لمدّ يد التعاون والبناء معاً لاجتياز معطيات الحروب والاقتتال. هؤلاء المتطلعون إلى السلام يواجهون على الضفة الأخرى فئةً تصرّ على صبّ الزيت فوق النار، وكأنها لا تريد أن ترى سوريا الوطن بخير.
إن صبّ الزيت على النار لا يخدم سوى أعداء القضية، بينما النقد البنّاء والحوار الهادئ هما السبيل الوحيد لتصحيح المسار. ولعل أضعف الوفاء أن نحفظ للمناضلين مكانتهم، ونجعل من آرائهم رصيداً للنقاش، لا هدفاً للتجريح.