نجاح هيفو
في التاريخ الكردي، قلّما نجد شخصية بقيت ثابتة على المبدأ، صامدة أمام العواصف، ومخلصة لقضية شعبها لعقود طويلة، كما فعل الأستاذ الكبير أمين شيخ كولين. هذا الرجل لم يكن مجرد سياسي أو مفكر، بل كان صوتًا صريحًا للقضية الكردية، وذاكرةً حية تختزن ستين عامًا من النضال والتضحيات.
لقد اعتاد خصومه على مهاجمته، وكأنهم يحاكمون التاريخ ذاته. لكنه أجابهم بجرأة:
“أنتم آخر من ينتقد الآخرين لأنكم أمميون ولا تمثلون الأمة الكردية.”
إن التضامن مع أمثال شيخ كولين ليس خيارًا انتقائيًا نمارسه عندما يناسبنا، بل هو واجب أخلاقي وتاريخي، لأنه يمثل قيمة عليا تتجاوز الشخص لتصل إلى جوهر الهوية الكردية وكرامتها.
لقد وُجهت إليه أسئلة واتهامات حاولت أن تنزع عنه شرعية النضال:
من كلّفك أن تتكلم باسم الشعب الكردي؟
لماذا شكرت بعض المسؤولين السوريين على كلمات محدودة باللغة الكردية؟
كيف تضع يدك بيد هذا الجنرال أو ذاك؟
لكن ردوده كانت دائمًا منسوجة بخبرة رجل يعرف معنى السياسة، ويفهم أن الدبلوماسية تبدأ بخطوة صغيرة، بينما الثورة تبدأ بموقف كبير. قال لهم: “أنا أتكلم باسم الشعب الكردي منذ ستين سنة، حين لم يكن معظمكم قد وُلد بعد.”
أليست هذه الحقيقة وحدها كافية لإسكات أي صوت يحاول الطعن بتاريخٍ حافلٍ بالتضحيات؟
لماذا نرفض الموضوعية الباردة؟
قد يسأل البعض: أليس من الحكمة أن نقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن نكون موضوعيين في تقييم الشخصيات السياسية؟
والجواب هنا واضح: ليس في قضايا النضال حيادٌ أو موضوعية جامدة.
فالحياد بين الجلاد والضحية ليس عدلًا، بل ظلم مضاعف. والموضوعية إذا تجردت من القيم تصبح نوعًا من البرود الأخلاقي الذي لا يخدم إلا الأعداء.
حين نتحدث عن شيخ كولين، لا نتحدث عن شخصية عابرة يمكن وزنها بميزان الربح والخسارة، بل عن تاريخ كامل من الانتماء القومي، عن رجل لم يساوم يومًا على هوية شعبه، ولم يبدل مواقفه تبعًا للرياح السياسية. هنا الموضوعية تفقد معناها، وما يبقى هو الانحياز الصريح للحقيقة.
لم تكن رحلة أمين شيخ كولين سهلة. فقد مرّ بمحطات قاسية:
خرج من سجون الطاغية في وقتٍ كان غيره يتسابق إلى موائد السلطة.
احتضن الفارين من قمع الأنظمة، وقدم لهم ما يحتاجونه رغم الخلافات.
شهد اقتحام بيته عام 2012 واعتقال العشرات من شبان عائلته، ومع ذلك بقي صامدًا.
تحدث في مكاتب كبار الضباط السوريين، ودافع عن القضية الكردية بلسان لا يعرف المساومة.
هذه ليست روايات شخصية، بل حقائق يعرفها رفاق الدرب، ويشهد بها قادة الحركة الكردية أنفسهم.
إن تضامننا مع الشيخ أمين كولين اليوم ليس مجرد دعم لشخص، بل هو إعلان انتماء إلى مدرسة كاملة من الفكر والنضال. مدرسة تقول: القضية الكردية أكبر من الأشخاص، لكنها تحتاج إلى رموز صادقة تحفظ ذاكرة الأجيال.
وهنا لا بد من التوقف عند دور الشباب الكردي الواعي. فأنتم، أيها الجيل الجديد، طاقة الأمة وعصب المستقبل. لكن يُطلب منكم الحذر والتروي، وألّا تنجروا وراء الإعلام الهابط أو الدعايات المضللة التي لا تخدم إلا خصوم القضية. نحن أمام مرحلة حساسة تتطلب وعيًا عميقًا، ونقدًا مسؤولًا، وانحيازًا صريحًا للحقيقة.
لقد وقف الشيخ في مخيم البارزاني ربيع 2024، شامخًا كعادته، ليثبت أن النضال لا يشيخ، وأن الجذور الكردية ضاربة في الأرض مهما حاولت الرياح اقتلاعها.
في النهاية، يبقى السؤال: لماذا يزعج البعض صوت شيخ كولين؟
لأن الحقيقة مؤلمة لمن لم يعرف التضحية. ولأن التاريخ لا يرحم من يبددون طاقات الشعوب في المزايدات.
أما أنتم، يا شباب اليوم، فإن الكلمة كلمتكم، والمستقبل بين أيديكم. لتكن أصواتكم واعية، وأفكاركم ناقدة، ومواقفكم صريحة لا تعرف التردد. لا تسمحوا لأحد أن يسرق منكم البوصلة، أو أن يجرّكم إلى معارك جانبية تشغل عن الهدف الأسمى: الحرية والكرامة لشعبنا الكردي.
ونحن، من موقع الوفاء، نقولها بملء الصوت:
كل التضامن المطلق معك أيها الشيخ الكبير، أيها المناضل الأمين.