فرحان كلش
الأسئلة الأكثر إلحاحاً في الراهن الزماني، حول ما ولدته وأفرزته الثورة السورية، تكمن في إمكانية الربط المعرفي بين الثورة كخلق جماهيري والسلطة كناتج ثوروي، إذ يمكننا أن نلقي أسئلتنا في حلقة ضوابط تتعلق بالنشوء والفناء الثوري، هل ما نشهده اليوم من وجود إدارة سياسية في دمشق ناتج موضوعي لما شهدته الثورة السورية، أم هذا تدحرج لفكرة الالتفاف على مطامح الثورة؟
كل ثورة هي إرادة تغيير القائم، بدء من السلطة السياسة مروراً بشكل الدولة المعنية إلى النموذج الاقتصادي المتبع وانتهاء بمرتكزات السلطة العسكرية والأمنية، دون تغيير بنيوي واضح المعالم لا يمكن أن ندّعي بما نشهده من صراع بالثورة، بل ربما بتمرد أو انقلاب أو أي توصيف آخر، إذا كنت هنا أركز أكثر على الأسئلة فلأن اللوحة السياسية في دمشق تسير على مستويين:
المستوى الأول والمرتبط بمعرفتنا المسبقة بما تتبناه هيئة تحرير الشام وحلفاؤها من أفكار تتلخص في حملها لواء آيديولوجية دينية متشددة غير قابلة للمساس بالبعد الشرعي، وقد مارستها الهيئة بوضوح في جلّ مراحل تشكلها، فالسيد الشرع(الجولاني) ينتمي إلى فكر الدولة الإسلامية في العراق والشام المرتبطة بالقاعدة في أفغانستان و مؤسس جبهة النصرة وفي رقبته دماء الكثير من العراقيين والسوريين، ومدرج في قوائم الإرهاب العالمية، فهل من الممكن كاحتمال أن يتحول هذا الرجل من حيث لا يحتسب المنطق والمعرفة المسبقة ومعه الآلاف من المقاتلين الأجانب المتشددين إلى حمائم سلام سياسية لمجرد أن أُفسح لهم المجال بالسير على رخام القصر الجمهوري في دمشق، وهل ينظر هؤلاء إلى أنفسهم كتكملة لغايات الثورة السورية(كما حلم بها البسطاء من السوريين كخلاص لهم من نظام قاتل وفاسد)أم يعتبرون أنفسهم كفاتحين لدمشق، ويستعيدون أمجاد أجدادهم الأمويين كما يعتقدون.
المستوى الآخر الذي من الممكن أن ننظر من خلاله لما يحدث، إن ما تم هو ناتج منطقي وموضوعي لمفاعيل الثورة السورية والتصارع بين حامليها الفكريين وشكل تعاضي الداخل الثوري(الثوار ذاتهم)معها، هؤلاء الثوار الذين بازروا عليها وانقسموا وفق مدخولاتهم المادية الممنوحة لهم من الجهات الاقليمية والدولية التي ورطت نفسها مع هؤلاء الذين هم بالنهاية من خرجي مدرسة المكر والإفساد البعثي.
فليس هناك من موبقة إلا وفعلها وافتعلها الأكثرية الساحقة ممن سمّوا أنفسهم بالثوار تكبراً ومنفعة لا منحاً لذواتهم لقيم الثورة الحقيقية.
كان واضحاً أن هناك صراع من نوع آخر بين جموع المعارضين، كل جهة تبحث عن موطئ قدم لها في السلطة الجديدة(حيث كان سقوط الأسد حتمياً)، في خضم هذا الماراثون اللاأخلاقي واللاثوري تم عرض خدماتهم على الخارج، وفي غفلة من التاريخ في المنطقة كانت مغامرة حماس، ولحظة القرار الاسرائيلي الحاسم بانهاء خطر الطوق المعادي، وكل تدمير لهذه القوى هو اضعاف مباشر للقابعين الأذلاء في دمشق.
وصولاً إلى الاختيار التركي و(بعلم الأميركان والإسرائيليين) لهيئة تحرير الشام لتكون بمثابة حصان طروادة تركي التوجيه و يكون سادة دمشق منها، إذاً تفاجأت قوى الثورة والمعارضة كما تحب أن تسمي نفسها، ووجدت نفسها أمام واقع جديد، فهل انتصرت الثورة، نعم فإذا كانت الثورة تعني تهريب الأسد إلى الخارج فما تم فعلاً ثورة، وإذا كانت الثورة تعني تغيير كل بنية النظام السابق وإعادة السلطة للشعب، فهذا محل شك كبير، اعتماداً على ما نعرفه وخبرناه عن إدارة مدينة إدلب التي غيرت مقرها إلى دمشق.