علي شمدين
في خضم مساعي الحريصين والغيورين على مستقبل الكرد في سوريا الجديدة، ودعوتهم المستمرة لأطراف الحركة الكردية في سوريا للتوافق وتشكيل وفد مشترك يمثل الجميع من دون إقصاء من أجل استثمار هذه الفرصة التاريخية التي توفرت للكرد على إثر هذه المتغيرات الجذرية التي تعصف بالمنطقة عموماً وسوريا خصوصاً، في خضم ذلك هناك من يدفع بالحوارات الكردية- الكردية، بقصد أو بدونه، نحو نفق مظلم من النقاشات العقيمة ويتخفى خلف الحجج الواهية لتبرير تهربه من استحقاقات الموقف الكردي الموحد، ومن التزامات الاجتماع معاً حول طاولة مشتركة للنقاش في جوهر هذه المتغيرات وكيفية التفاعل معها وانعكاساتها على القضية الكردية في سوريا، ومن بين هذه النقاشات العقيمة هناك من يقول بأن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لا تمثل كل الكرد السوريين، وهذه كلمة حق طبعاً، أما أن يقدموا أنفسهم بديلاً عنها ويقولوا بأنهم هم الذين يمثلون الكرد دون غيرهم، فهذا هو الباطل بعينه.
الحقيقة إن هذه العقلية الإقصائية المغرورة هي نفسها التي أجهضت محاولات توحيد الموقف الكردي السوري ودفعتها نحو الطريق المسدود، وأفشلت جهود كل الخيرين الذين ظلوا يضغطون طوال سنوات الأزمة السورية باتجاه لملمة أطراف الحركة الكردية في سوريا وتجميعها حول طاولة مستديرة من دون إقصاء أيّ طرف، وذلك بهدف المناقشة بمسؤولية حول مستقبل الكرد في سوريا الجديدة.
أجل ليس هناك من يمثل الكرد السوريين بمفرده، وإنما الحركة الكردية في سوريا، على علاتها، هي فقط التي يحق لها أن تدعي تمثيل الشعب الكردي في سوريا، ولكن شرط أن توحد أطرافها موقفها في إطار خطاب سياسي مشترك ومرجعية شاملة لكل روافد الحركة الكردية في سوريا، من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات الجماهيرية والشخصيات الثقافية والاجتماعية والدينية وممثلي المرأة والشباب. إذاً، ليس هناك من يحق له الإدعاء بتمثيله للشعب الكردي في سوريا بمفرده مهما تضخم حجمه وتعاظم دوره، أما إذا كان المعيار في أحقية التمثيل هو الحجم والدور، فلا أحد يحق له أن يمثل الكرد في المحافل المحلية والخارجية سوى الجنرال (عبدي)، باعتباره يمثل (قسد)، التي تشكل القوة الرئيسية الأهم ليس في شرق الفرات فقط وإنما في عموم البلاد، ويترأس ميدانياً جيشاً يزيد تعداده عن مائة ألف مقاتل مدرب ومجرب في دحر الإرهاب (داعش)، ومحمي من التحالف الدولي ومدعوم منه، فضلاً عن أنه يدير منطقة جغرافية تزيد مساحتها عن ثلث مساحة البلاد، وتضم أكثر من نصف انتاجها من النفط والحبوب.. إلخ. ولكنه مع ذلك لا يحق له أن يتفرد بتمثيل الكرد في مثل هذه القضايا التاريخية التي تتعلق بمصير الكرد ومستقبلهم.
ومن هنا، فإن أيّة محاولة باتجاه الاستفراد بتمثيل الكرد في الحوارات الكردية- الكردية المرتقبة وإقصاء الأطرف الأخرى عنها مهما صغر شأنها، ناهيك عن إقصاء أحزاب عريقة وأصيلة بحجم حزبي (التقدمي، والوحدة)، فإنه سوف يكون مصير هذه الحوارات الفشل الأكيد كما حصل للمبادرة التي أطلقها الجنرال مظلوم في أواخر عام (٢٠١٩)، والتي أقتصرت حينذاك على إطاري (ENKS) و (PYNK)، من دون إشراك الأحزاب الأخرى التي تقف خارجهما، حيث اتفق الطرفان، رغم تناقضاتهما العميقة، على إبعاد هذه الأحزاب من تلك الحوارات التي تمت تحت إشراف أمريكي وفرنسي، وخاصة إبعاد حزبي (التقدمي، والوحدة)، بحجة إن الحوارات سوف تتركز على حل المشاكل الداخلية بين الإطارين، على أساس أن معظم المشاكل تنحصر بينهما تحديداً.
ولهذا قرر الحزبان آنذاك دعم الحوار بين الإطارين على أمل أن ينجح الجانبان المتحاوران في حل مشاكلهما، بالرغم من قناعتنا الثابتة بعقم هكذا حوار ثنائي، وقد فشلا، كما توقعنا مسبقاً، في حل مشاكلهما لا بل تعمقت تلك المشاكل أكثر فأكثر، وقد أقرت مؤخراً قيادات من (PYD)، بانه كان خطأ تاريخيا عندما قبلوا بإقصاء حزبي (التقدمي، والوحدة)، من الحوارات التي أجروها مع (ENKS)، خلال السنوات الماضية، ووعدت هذه القيادات بأنها سوف لن تسمح بتكرار مثل هذا الخطأ في المستقبل.
بعد سقوط الأسد، وارتفاع الأصوات الداعية إلى استئناف الحوار بين الإطارين فقط ومن دون الأحزاب الأخرى، أعلن حزبا (التقدمي والوحدة)، اللذان يجمعهما ميثاق سياسي مشترك، رفض أيّ حوار ينطلق من دونهما، لأن الحوار إن بدأ بين الطرفين سوف لن يكون هذه المرّة من أجل حل مشاكل الطرفين المتخاصمين التي هي في الأساس مشاكل ثانوية عقيمة، وإنما سوف يكون من أجل صياغة موقف كردي مشترك حول حقوق الشعب الكردي في سوريا وتثبيتها في الدستور السوري الجديد، ولا بدّ أن يكون للأحزاب خارج الإطارين أيضاً رأيها الواضح ودورها البارز في مثل هذه القضية المصيرية التي يفترض بأن هذه الأحزاب قد تأسست من أجلها أصلاً، ولنترك مواضيع الشطب والإقصاء للمستقبل الديمقراطي الذي نسعى إليه في مناطقنا لتقول الجماهير حينها كلمتها، وتقرر بحرية من يمثل الكرد في سوريا؟!
السليمانية
٥/٣/٢٠٢٥