من وحي ما يحصل في المنطقة…؟

اكرم حسين

يتبادر إلى الذهن العديد من التساؤلات حول كيفية إدارة الأزمات والسياسات العامة في المناطق التي تعاني من النزاعات والتحديات السياسية والاجتماعية.

“الإدارة الذاتية ” فيما يسمى ” شمال وشرق سوريا ” على سبيل المثال، هي نموذج “إشكالي ” يثير الكثير من النقاش حول ما كان يمكن تحقيقه ، لو مارست الحكم الرشيد ، وأحسنت استثمار الموارد البشرية والطبيعية التي تمتلكها. وبينما نعايش الأزمات المتتالية التي تشهدها المنطقة، يبرز السؤال: ماذا لو؟

ـ لو قررت “الإدارة الذاتية”  في “شمال وشرق سوريا ” تبني مبدأ الحكم الرشيد، لاختلف شكل المنطقة  تماماً عما عليه اليوم ..!. فالحكم الرشيد يعني الالتزام بمبادئ الشفافية والمساءلة ، واحترام حقوق الإنسان، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية…!

ـ اذاً لو تم تطبيق هذه المبادئ بشكل فعّال، لأدى ذلك إلى استقرار أكبر ، وثقة أعمق بين المواطن و”الإدارة” ، ويمكن أن يكون هذا النموذج ، مثالاً يحتذى به في المنطقة، في ظل التحديات المتعددة التي تواجهها…!

ـ الأهم من ذلك ، لو ركزت “الإدارة الذاتية” على استثمار طاقات ومواهب ابنائها ، لصنعت منهم نموذجاً إيجابياً في التنمية. فالشباب السوري، يمتلك من الإبداع والطموح، ما يجعله  مصدر قوة كبيرة ، يمكن استغلالها في بناء اقتصاد قوي ومستدام . هذا الاستثمار في الموارد البشرية، بدلاً من التركيز على الجانب العسكري أو الأمني، يمكن أن يخلق فرص عمل، ويعزز من النمو الاقتصادي، ويقلل من نسبة الفقر والهجرة.

ـ ورغم الحصار والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها “الإدارة الذاتية” يمكن فتح الأبواب أمام الاستثمارات الخارجية والداخلية. التاريخ يعلمنا أن العديد من الدول ، استطاعت التغلب على الحصار الاقتصادي من خلال التفكير خارج الصندوق، والبحث عن شراكات جديدة ، وتحفيز الاستثمار المحلي. فالاستثمار في القطاعات الحيوية مثل الزراعة، والصناعة، والتكنولوجيا ، يشكل قاعدة صلبة للتنمية المستدامة.

ـ لو تم تطوير البنية التحتية وتشجيع الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية، لكانت “الإدارة الذاتية” قادرة على تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، وهو ما كان سيخفف من آثار الحصار والتهديدات الخارجية. فالتحول من إدارة تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية ، إلى إدارة تعتمد على الإنتاج المحلي والاستثمار، يعزز من استقلاليتها الاقتصادية والسياسية.

ـ التاريخ مليء بالأمثلة التي تشير إلى أن الوحدة الداخلية بين مكونات المجتمع هي أساس النجاح والاستقرار ، وخاصة التوافق الكردي – الكردي، الذي لطالما كان مطلباً ملحاً من قبل العديد من الجهات الدولية ، والذي يمكن أن يشكل قاعدة قوية لدعم العملية الديمقراطية في المنطقة . من خلال اشراك جميع المكونات في ” الإدارة الذاتية” والنتيجة إدارة أكثر شمولا، وأكثر تمثيلاً لطموحات  الشعب ، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.

ـ لو حصل هذا السيناريو، لشهدت المنطقة  استقراراً أكبر، وتقليلاً للتوترات العرقية والسياسية التي تؤدي إلى الصراعات الداخلية. لان الوحدة الداخلية ليست مجرد شعار، بل هي شرط أساسي لتحقيق الاستقرار والتنمية. فإدارة قائمة على توافق وطني واسع ستتمتع بمزيد من الشرعية والقبول لدى جميع الأطراف، مما سيقلل من عدد المناوئين والمعارضين لها.

ـ تحويل “الإدارة الذاتية”  إلى إدارة  مؤسساتية قوية وفعالة ، سيحدث فرقاً جوهرياً في طريقة تسيير شؤون المنطقة. فالفساد وإهدار المال العام ، هما عقبتان  كبيرتان أمام أي عملية تنموية. لو تم التركيز على بناء مؤسسات قوية ، وقادرة على مراقبة الإنفاق العام وتقليل الفساد، لشهدت المنطقة تحسناً ملحوظاً في البنية التحتية والخدمات العامة.

ـ وبدلاً من صرف الأموال في مشاريع غير مجدية، يمكن توجيه هذه الموارد نحو تحسين شبكة الطرق، وتطوير المدارس والمستشفيات، وتوفير خدمات أساسية للمواطنين. لان تحسين هذه الخدمات يعزز من ثقة المواطنين في الإدارة ، ويسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي.

ـ ما يحدث في المنطقة من حولنا يقدم لنا دروساً قيمة ، رغم مرارتها، وهي أن الكثير من الفرص قد ضاعت بسبب سوء “الإدارة” وعدم القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية صحيحة ، لكن الأمل لا يزال موجوداً، والفرص لا زالت سانحة… !

ـ المستقبل سيكون أفضل لو قررت “الإدارة الذاتية”  إعادة النظر في سياساتها الحالية ، وتبني نهج جديد يقوم على الحكم الرشيد، والاستثمار في الإنسان، وتقليل الفساد، وتحقيق التوافق الداخلي. هذه القرارات قد تكون صعبة، ولكنها ضرورية لتحقيق مستقبل أفضل للمنطقة ولجميع مكوناتها.

ـ ولذلك، من الضروري ، أن تدرك “الإدارة الذاتية” أن الوقت لم ينفد بعد، وأن التغيير ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية والقدرة على العمل الجماعي.

ـ الأمل يبقى موجوداً دائماً في ظل الإرادة والتخطيط السليم ، وعلينا أن نتعلم من التجارب السابقة ، لضمان مستقبل أفضل ….!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…