صلاح بدرالدين
كنت قد التقيت بالمرحوم ادريس مصطفى بارزاني خلال زيارتي الأولى الى المناطق المحررة لثورة أيلول صيف ١٩٦٧ ومعي رفيقنا الشهيد – محمد حسن – ، حيث كان لايفارق والده الزعيم الراحل ، وبمثابة ساعده الأيمن ، وسكرتيره ، ومعاونه ، ومكلفا بعدد من اهم واخطر الملفات ذات الطبيعة العسكرية ، والسياسية ، والتنظيمية ، من بينها ملف العلاقات القومية الكردستانية ، ومن ضمن هذا الملف بطبيعة الحال الحركة الكردية السورية ، وكنت قد اشرت سابقا انه وخلال مباحثات وفدنا في زيارتنا الأولى مع الزعيم الراحل كنا نتاول مع جنابه الخطوط العريضة ، ثم نغوص بالتفاصيل مع – ادريس – الذي توصلنا معه في تلك الزيارة الى جملة من التفاهمات ، يتعلق معظمها بمسالة دعم الثورة إعلاميا ، وبشريا ، وماديا ، والعمل المشترك على مستوى أوروبا ، الى جانب العلاقات الثنائية ، وانتهت المباحثات التي دامت نحو أسبوعين بتعارف بالعمق ، وبناء صداقة متينة أساسها الثقة المتبادلة .
المرة الثانية التي التقينا فيها كانت خلال المؤتمر الثامن للحزب الديموقراطي الكردستاني عام ١٩٧٠ بناوبردان ، حيث كنا الحزب الكردي الوحيد خارج العراق مدعوون كوفد باسم حزبنا ( آنذاك ) – البارتي الديموقراطي الكردي اليساري – والمكون من – المرحوم محمد نيو ، وعبد اللطيف من منظمة الحزب بلبنان وانا – وكانت لنا كلمة في الجلسة الافتتاحية بحضور الزعيم الراحل ، ومندوبي منظمات الحزب الشقيق ، ود كامران بدرخان ، ووفود عراقية ، وإعلامية بينها وفد القيادة القومية لحزب البعث الحاكم ببغداد ، وممثلون عن سفارات الدول الاشتراكية في العراق .
التقيت عدة مرات بالمرحوم ادريس بعد المؤتمر ، وكذلك خلال ( المؤتمر التوحيدي ) للكرد السوريين ، والذي كتبت عنه مرارا ولا أرى حاجة بالدخول بتفاصيله الان ، كل مااريد قوله ان المرحوم لم يكن راضيا عن نتائجه ، ولم يؤخذ رايه بعين الاعتبار كمشرف على العلاقات القومية ، وكان يرى ان حزبنا يمثل إرادة الكرد السوريين ويقف منذ اليوم الأول مع ثورة أيلول ، وعلى الاخرين الالتحاق به من دون مؤتمرات ، ومحاصصات جديدة ، وتدخلات جانبية .
اللقاء الثالث الأخير
عندما غادرت كردستان العراق أواخر عام ١٩٧٠ وبعد توديع الزعيم الراحل ، كان المرحوم ادريس آخر المودعين ، ثم تتالت الاحداث ، وانقطعت الصلات ، وحصلت نكسة عام ١٩٧٥ ، وغادر مع والده واخيه كاك مسعود الى الولايات المتحدة الامريكية ، وعاد الى كردستان بعد رحيل الزعيم ، ونشوب ثورة – كولان – ، وللتذكير عندما وصلوا طهران بعثت برسالة تعزية معبرة الى الاخوين مسعود وادريس لرحيل الزعيم بارزاني في وقت كان الجميع تخلوا عنهم بمافيهم معظم قيادات حزبهم ( سامي عبد الرحمن – د محمود عثمان – صالح اليوسفي – دارا توفيق – نوري شاويس ، وآخرون ) ، وتلقيت رسالة جوابية منهما تضمنت مشاعر نبيلة ، وهي منشورة في مذكراتي .
وبعد مضي – ثلاثة عشر عاما – عن آخر لقاء ، التقينا في طرابلس – ليبيا – بالمؤتمر الشعبي العام عام ١٩٨٣ – الذي شاركت فيه اوساطا عديدة من الحركات السياسية ، ووفودا من منظمة التحرير الفلسطينية وأنظمة ( الجزائر – اليمن الجنوبي – سوريا إضافة الى الدولة ليبيا ) وكان المرحوم يتراس وفد حزبه ، وكنت امثل منظمة حزبنا في لبنان العضو في الحركة الوطنية اللبنانية .
صادفت في بهو فندق الوفود الصديق فاضل ميراني وبعد العناق والسلام اخبرني ان كاك ادريس موجود أيضا فتوجهنا سوية الى غرفته ، وتفاجأ برؤيتي وتوجه الي بوجهه البشوش وناداني : ” صلاح انتم مغدورون ” وبدانا الحديث بحضور كل من ( فاضل ميراني – د روز شاويس – د بيروت إبراهيم – د سعيد بارزاني ) وردد مرارا ” ان مؤتمر –توحيد كرد سوريا في ناوبردان – كان خطأ تاريخيا ، وتم الحاق الأذى بك وبحزبك من دون مبرر ، نعم تعرضنا لضغط خارجي ( وكان يقصد نظام الشاه ) بسبب كلمتك في المؤتمر التي تضمنت تهجما عليه ومطالبة بحل القضية الكردية هناك ، وكذلك بسبب نهجكم اليساري ، ولكن كان يمكن ترتيب الامر بشكل سليم ، وتجاوز ذلك بطريقة أخرى ، وعلينا تصحيح ذلك الخطأ ، واعادة علاقاتنا الى سابق عهدها ” ، ودخلنا بالتفاصيل حول التعاون ، وتنظيم اللقاءات ، بطبيعة الحال مازال الصديقان ( فاضل وبيروت ) على قيد الحياة طال عمرهما ، وموجودان في أربيل وكانا مشاركان باللقاء .
بعد ذلك حصلت عدة لقاءات خلال وجودنا في طرابلس اتسمت بالودية ، والاحترام المتبادل ، وماحصل هناك شكل منطلقا لاعادة الروح الى العلاقات ، وتمت زيارات ، وتعاون ، وعمل مشترك ، وبعد رحيل كاك ادريس – تلكات – العلاقات مجددا ، وصادفت عقبات خصوصا بعد مرحلة تحقيق الفيدرالية والانتقال من مرحلة الثورة الى مرحلة السلطة ، هذه المرحلة التي بدات الكتابة حولها بمذكراتي ، وساستمر بذلك للفائدة العامة .
الامر الأهم بنظري هو شعور هذا المناضل بما لحق بنا كحزب ، وقيادة من غبن ، وتجاهل ، واعترف علنا وامام رفاقه بذلك ، وانني اعتبر ذلك نقدا ذاتيا على طريقته ، وتواضعا من جانب قائد شجاع ، ومااحوجنا اليوم أحزابا ، وافرادا مناضلين الى هذه الروحية في اجراء المراجعات ، والنقد الذاتي ، وتصحيح السياسات ، والمسارات .
طبعا تلك المراجعة السريعة كانت تعبيرا عن وجود خلل في العلاقات الكردستانية ، وغياب القواعد ، والاليات الواضحة ، والمؤسسة الديموقراطية التي ينطلق منها العمل القومي المشترك العام ، والتنسيق ، على أساس المساواة ، واحترام خصوصيات البعض الاخر ، وتقديم الدعم أيضا للبعض الاخر ، وعدم التدخل في شؤون البعض الاخر ، ومازالت الحركة الكردستانية ، والكردية تعاني نفس الازمة القديمة منذ عقود ، ولم تنجح في حلها الى يومنا هذا ، وتتعرض على الدوام الى كوارث ، وتقاتل ، ومواجهات ، مما يسهل على الأعداء ، التغلغل ، واختراق الصفوف ، وتعميق الصراعات .