مفارقة النشيد ” الوطني ” السوري الجديد

 إبراهيم محمود

 

يمثّل النشيد الوطني لأي دولة علامة فارقة لهويتها الاجتماعية والسياسية، وواجهتها في الخارج. بناء عليه، يتم اختيار الكلمات ذات الدلالة، وهي تُردَّد مع الموسيقا أو دونها هنا وهناك.

ولقد استغربت كل الاستغراب، حين سمعت بالنشيد ” الوطني ” السوري الجديد، وهو من كلمات الشاعر” المنبجي- الحلبي : عمر أبو ريشة 1910-1990 “: في سبيل المجد والأوطان،  ربما كان في اختيار المكان له اعتباره كذلك، أعني حلب بالذات، تعبيراً عن توجُّه مذهبي في ضوء المتغيرات على الساحة السورية.

غير أن الذي أستطيع التأكيد عليه هو رعب الدائر في النشيد وفي راهنه تحديداً، لأنه يقوم على مفارقة صارخة، وهي في إظهار فئتين من البشر: السادة الأحرار والعبيد.

أهكذ يكون التعبير عن إنسان سوريا الجديد، وبعد صراعات دامية ومريرة؟ حيث نقرأ في الشطر الأول منه:

في سبيل المجد والأوطان نحيا ونبيد
كلنا ذو همة شماء جبار عنيد
لا تطيق السادة الأحرار أطواق الحديد

إن عيش الذل والإرهاق أولى بالعبيد

 

طبعاً في الأصل، بالنسبة للشطر الرابع ورد هكذا:
إن عيش الذل والإرهاب تأباه العبيد

 

في الحديث عن ” السادة الأحرار ” وبالمقابل ” العبيد ” أي وعد بالمأمول قيمياً للإنسان هنا؟

تُرى من كان وراء نشيد كهذا، وكيف أجيزَ له، ليكون واجهة بلد، ويؤكد على الديمقراطية والمساواة، أم أننا لا زلنا نواجه بما كان معمولاً أو سائداً في الإسلام وفي نصوصه الكبرى؟

لا أظن أن هناك ما يبرر لاختيار نشيد كهذا، إلا من يعيش ازدواجية القيم في ذاته، وبؤس مفهومها ذهنياً.

آمل أن يعاد النظر سريعاً في محتوى نشيد كهذا، ويبدَّل بنشيد يشعر كل مردده ومستمع إليه بالتفاؤل الإنساني في روحه، ونفسه، وذاكرته المستقبلية، وفي الذين يعيش وإياه دون تفريق في اللون واللغة والانتماء الجنسي..!؟

 

ملاحظة: وضعت كلمة الوطني بين مزدوجتين، من باب التحفظ، أي كيف أعيش في وطن، وفي أعلاه، وأنّى التفت يُردَّد نشيد، يعترف بوجود” سادة أحرار ” و” عبيد “، والتغيير الحاصل في الشطر الرابع شكلي، مقارنة بالجاري تسويقه نشيداً ” وطنياً ”

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

منظمة حقوق الإنسان في عفرين أستُقبل وزير الثقافة في الحكومة الإنتقالية السورية محمد ياسين صالح و الوفد المرافق له في مدينة عفرين ، على أنغام الزرنة و الطبل من قبل أبناء المنطقة إلى جانب بعض من المواطنين العرب القاطنين منذ سنوات في المدينة ، وسط غياب أغلب رؤوساء البلديات و أعضاء منظمات و نشطاء المجتمع المدني و الأكاديميين الكُرد ،…

عزالدين ملا شهدت سوريا خلال العقد الماضي تحولات عميقة قلبت معالم المشهد السياسي والاجتماعي فيها رأساً على عقب، وأدت إلى تفكك بنية الدولة وفقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. بعد سقوط النظام الذي حكم البلاد لعقود، توقّع الكثيرون بداية عهد جديد يعمه السلام والاستقرار، لكن سوريا دخلت في دوامة أعمق من الصراع، إذ تعقّدت الأزمة بشكل لم يسبق له…

عبدالرحمن كلو لم يكن مؤتمر قامشلو مجرّد لقاء عابر بين طرفين متخاصمين في الساحة الكوردية، بل كان خطوة نوعية تُلامس أفقًا سياسيًا أوسع بكثير من مجرد “اتفاق ثنائي”. فبرعاية أمريكية وفرنسية، وبإشراف مباشر من الرئيس مسعود البارزاني، تمكّن المؤتمر من جمع طيف متنوع من القوى، لا يقتصر على المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بل شمل شخصيات وطنية مستقلة،…

هولير (ولاتي مه) شفيق جانكير: بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع “ولاتي مه”، جرى في كافتيريا “أريزونا” بهولير (أربيل) تكريم الباحث والمحلل السياسي الأستاذ عماد باجلان. وجاء هذا التكريم تقديرا لدور باجلان البارز في الساحة الإعلامية والسياسية، وجهوده المتواصلة في الدفاع عن الحقوق والقضايا العادلة للشعب الكردي، ووقوفه في مواجهة الأصوات الشوفينية والعنصرية التي تحاول إنكار حقوق الكورد أو…