شكري بكر
لإلقاء نظرة سريعة حول الواقع الكوردي المنقسم والمشتت نرى بأن قبل إنتقال قيادة حزب العمال الكوردستاني إلى كوردستان سوريا كان هناك خلافات كوردية كوردية ، إلا أن هذه الخلافات لم تصل إلى حدود الإقصاء والعداء والمواجهة في أغلب الأحيان ، وخاصة بعد دعم النظام المباشر واللامحدود لحزب العمال الكوردستاني عسكريا وسياسيا وإستخدامه في مواجهة الحركة التحررية الكوردية وخاصة التيار الوطني الديمقراطي منه . فبعد خراب بصرى ، مطلوب وحدة الحركة الكوردية في سوريا ، والذي لم يكن مستحيلا ، بل تخضع لبعض المعوقات ، من أهم تلك المعوقات :
تدخل حزب العمال الكوردستاني في الشؤون الداخلية للحركة الكوردية في سوريا ، ووضع يده على مقاليد الإدارة في المناطق الكوردية عبر أداته السوري حزب الإتحاد الديمقراطي السوري .
ما الذي يمنع وحدة الصف الكوردي ؟.
المتتبع للشأن الكوردي في سوريا يلاحظ أن هناك جملة موانع تعترض طريق وحدة الصف الكوردي في سوريا ، من هذه العوائق :
الإنقسام الفكري والمبدئي حول ماهية القضية الكوردية في سوريا ، كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية في الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية عقب إتفاقية سايكس بيكو السيء الصيت.
حول هذا الموضوع فإن الحركة الكوردية في سوريا تنقسم حول نفسها إلى ثلاث تيارات :
1 – تيار وطني ديمقراطي ملتزم بالثوابت القومية للشعب الكوردي في سوريا بإنتزاع حقه في تقرير المصير ، لذا فهو يطالب بالديمقراطية لسوريا والفدرالية لكوردستان سوريا .
2 – تيار مساوم على تلك الثوابت ، ويعتبر قضية الشعب الكوردي في سوريا أقلية قومية ، هاجرت من كوردستان تركيا هربا من النظام التركي في عهد كمال أتاتورك والإقامة في عدة مدن في الشمال السوري ، مثل عفرين وكوبانى ومحافظة الحسكة وحلب وإدلب وحماة والساحل السوري والعاصمة دمشق ، ونرى بأن هذا التيار يطالب الإعتراف باللغة الكوردية والحقوق الثقافية للأقلية الكوردية في سوريا على حد زعمهم .
3 – تيار يترقب الشأن السياسي العام في المنطقة والكوردي في سوريا منه بشكل خاص ، بما ستؤول إليه القضية الكوردية مستقبلا ، إن آلت الأوضاع نحو الإيجاب يظهر نفسه بأفضل حال نحو تبني القضية وسرد البطولات ، أما إذا آلت إليه الأوضاع نحو الأسوأ فسيظهر بأبهى أشكال النقد بمواعظ مختلفة .
فالحقيقة هي أن القضية الكوردية في سوريا هي قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية في الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية .
كان لتدخل النظام السوري أثرا على الحركة الكوردية وجعلتها مجزئة ضعيفة ومشتتة إلى أشلاء لا حول ولا قوة لها ، نتيجة ممارسة الضغوطات والملاحقات الأمنية التي كان يقوم بها النظام ضد القيادات الكوردية والزج بهم في غياهب السجون ، إضافة إلى فرض الحزام العربي على المناطق الكوردية عبر تهجير الكورد من قراهم إلى الداخل السوري ، والمجيء بأسر وعوائل عربية والإقامة بهم في تلك القرى ، وكذلك ممارسة سياسة التعريب التي طالت أسماء القرى والمدن الكوردية ، ثم تهميش المناطق الكوردية من الناحية الخدمية ، وإنعدامه من العمل والصحة والتعليم ، مما أدى هذا إلى تفشي الأمراض وإنتشار الفقر في المدن والقرى الكوردية .
عندئذ لم يبقى أمام الشعب الكوردي إلا أن يهاجر من قراه ومدنه نحو المدن الكبيرة كحلب وحماه ودمشق بحثا عن لقمة العيش ، وإرسال أطفالهم إلى المدارس للتعليم ونيل شهادات ليتم توظيفهم في معامل وشركات ومؤسسات الدولة لإعالة أهاليهم بتحسين معيشتهم ، مما أدى ذلك إلى ظهور نخب مثقفة وحدوث نهضة ثقافية إنتقلت إلى القرى والمدن الكوردية ، هذا في عهد سلطة البعث الشوفيني ، حتى إنسحاب النظام من المناطق الكوردية وتسليمه لل pyd بموجب إتفاقية إستلام وتسليم ريثما يُعيد النظام سيطرته على المناطق التي خسرته بعد إندلاع الثورة السورية والتي طالبت بإسقاط النظام منذ الوهلة الأولى .
ما حققه حزب الإتحاد الديمقراطي السوري عجز النظام عن تحقيقه ، من عمليات الخطف والإعتقال لمن يخالفه في الرأي ، وتجنيد القاصرين ، وفرض الأتاوات ، ورفع شعار إن لم تكن معي فأنت ضدي ، سلوك ال pyd هذا أدى بالشعب الكوردي إلى التهجير وخاصة أصحاب الرأي والنخب المثقفة منه نحو الشتات ، وزج لبعض ممن تبقى في الداخل الذين تشبثوا بمنازلهم وأرزاقهم وممتلكاتهم ، إضافة لكل هذا الإنقسام السياسي بين الموالاة والمعارضة .
بذلك يكون قد دمر حزب الإتحاد الديمقراطية كل القيم الإنسانية والوطنية ولم يترك أي خط رجعة للعودة به إلى الحضن الكوردي ، فبعد كل هذا الدمار من الصعب أن تتصالح الحركة الكوردية مع ال pyd تمهيدا لتحقيق وحدة الصف الكوردي إلا إذا قام ال pyd بتنفيذ الشروط التالية :
1 – إصدار بيان يدين كافة ممارساته المشينة ضد الشعب الكوردي .
2 – إخراج كافة كوادر حزب العمال الكوردستاني من كوردستان سوريا .
3 – تبييض السجون لأصحاب الرأي ، والكشف عن مصير المجهولين والمغيبين منهم .
4 – فك إرتباطاته مع حزب العمال الكوردستاني .
5 – محاكمة كل من تلطخت أياديه بالدم .
6 – القبول بدمج قوات ال ypg وال ypj بقوات بيشمركة روچ آفا .
7 – إعتبار نفسه حزبا كورديا من عداد الأحزاب الكوردية السورية المنشأ .
عندها يمكن أن تتفق الأفرقاء على تشكيل لجنة محايدة وتكليفها بالإعداد لمؤتمر قومي كوردي في سوريا ، ودعوة جميع الأطراف حسب جداول تنظيمية ، وترك نسبة حضور كل طرف للجنة المكلفة بإعداد المؤتمر ، يضاف إليه كافة فعاليات المجتمع المدني بأنشطته المختلفة ، وكذلك الشخصيات الوطنية الكوردية المخلصة لقضايا الشعب الكوردي في سوريا ، هذا هو السبيل الوحيد الذي يؤدي بنا إلى تحقيق طموح الشعب الكوردي بوحدة صفه ، وغير ذلك هو ضياع للوقت وضحك على اللحى .