كُلّنا سُوريّون… ولكن..!

اكرم حسين.

 

كُلّنا سُوريّون، لأنَّ الانتماء إلى هذا الوطن يجمعُنا تحت سماءٍ واحدةٍ. لكنَّ الحبَّ الحقيقي للوطن لا يعني إلغاء الهويات أو التنكّر للحقوق، بل يرتكز على الاعتراف المتبادل بالتنوع الذي يُغني سوريا ويُقويها. إن قولنا “كُلّنا سُوريّون” لا ينفي حقي في التمسك بهويتي الكردية، بل يَجعل منها ركيزةً لِوطنٍ يتسع لكل أبنائه.  

لا تكتمل الهوية الوطنية إلا باحترام كل مُكونات المجتمع السوري، وعلى رأسها المكون الكردي، الذي كان له دورٌ تاريخي في صياغة الوجه الحضاري والاجتماعي لسوريا. فالاعتراف الدستوري بهويتي الكردية ليس مِنحةً أو هِبةً، بل هو حقٌ أصيل وواجبٌ وطني، يعكسُ إدراكاً عميقاً لضرورة الشراكة الفعلية القائمة على العدل والإنصاف، واعتبار الآخر شريكاً متساوياً في الحقوق والمسؤوليات.  

لا تُبنى الوحدة الوطنية الحقيقية على خطاباتٍ مثالية أو محاولاتٍ لطمس التنوع ، بل تُشيّد على أساس العدالة والمساواة، واحترام الخصوصيات الثقافية التي تُثري نسيج الوطن. فالتجاهل المتعمد لهذه الهويات هو خيانةٌ للقيم الإنسانية التي يفترض أن تجمعنا.  

الاعتراف الدستوري بالهوية الكردية يعني أن سوريا أصبحت وطناً للجميع بلا استثناء، وطناً يُكرّم أبناءه ولا يُهمشهم، وطناً تقوم علاقاته على التكافؤ لا على الاستعلاء. هذا الاعتراف ليس مجرد نصٍ قانوني؛ بل هو اللبنة الأولى لِسوريا مستقرة وقادرة على احتضان تنوعها، حيث تتعايش اللغات والثقافات بانسجام ومحبة .  

لذا أؤكد ، نعم، كُلّنا سُوريّون، ولكن بشرط أن يَضمن الدستور هويتي الكردية. فهذا الضمان هو الطريق الوحيد لشراكة حقيقية في بناء وطنٍ ننتمي إليه جميعاً بفخرٍ، وطنٍ تُصان فيه كرامتنا، وتُحترم فيه حقوقنا. عندها فقط، نستطيع أن نردد بصدق: كُلّنا سُوريّون، في وطنٍ عادلٍ يتسع للجميع.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

م. محفوظ رشيد   كي لا نقع في المحظور الذي تدفعنا إليه التقولات والتخيلات والتنظيرات والتكهنات المشوهة والمشوشة والمفتنة، التي تعتبر مواد سريعة الاسترسال وسهلة الاستقبال من خلال وسائل الأعلام و التواصل الاجتماعي الخارجة عن الرقابة والضبط والمحاسبة، والتي يقف خلفها طابور خامس ضخم ومحترف من الأعداء و الدهماء والغوغاء و الأغبياء..، والضحايا دائماً من الأبرياء والشرفاء والبسطاء والأنقياء من…

نبذة عن الكتاب: يسعدني أن أقدم لكم العمل البارز لصديقي العزيز، ريبرهبون، مؤلف كتاب ” نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً)”. هذا الكتاب هو استكشاف عميق للمشهد السياسي الكردي، يقدم نقداً ورؤية للمستقبل. إنه رحلة فكرية تمزج بين التحليل التاريخي والواقع الحالي، وتبحث في الحلول للتحديات التي يواجهها الشعب الكردي، خاصة في غربي كوردستان (روجافا). يقدم المؤلف تأملات صادقة في…

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…