– ما الذي تتذكّره من تلك الأيام الصعبة..؟.
أتذكّرها بكل تفاصيلها، من لحظة سماعنا للخبر يوم الجمعة والبدء بالمظاهرات يوم السبت، وكيفية تعامل السلطة بأسلوبٍ قمعيٍّ مع الطلاب.
– هل كانت جريمة الملعب عفويةً أم مخططاً لها..؟.
أبداً لم تكن عفويةّ، وذلك كان واضحاً حسب الفيديوهات التي شاهدناها ووُثِّقت لحظة وقوع الحدث، وحتى قبل بداية الحدث في الملعب، عندما هتف جمهور الفتوة (جنجويد النظام) في شوارع قامشلو بتمجيد المقبور صدام حسين محاولين استفزاز الشارع الكرديّ، واستمروا بالهتافات في الملعب، وبدؤوا التهجم على جمهور الجهاد بالحجارة والعصي.. وأيضاً كيفية تعامل السلطة مع الطلاب في الجامعة بشكلٍ عنيفٍ، ولو كانت الجريمة عفويةً لحاولت السلطة تهدئة الطلاب وامتصاص غضبهم، لكنّ أسلوب التصعيد بدا واضحاً، حيث تبيّن أنّهم كانوا على استعداد مسبقٍ لكسر الكرد في كل المناطق.
– ماذا عن تفاصيل الانتفاضة..؟.
كان أغلب الطلاب يستمعون إلى برنامج ملاعبنا الخضراء، الذي كانت تبثّه إحدى الإذاعات عبر الراديو، حيث بدأت جميع مباريات الدّوريّ السّوريّ.. لكنّ مراسل قامشلو صرّح بأنّ هناك مشاكلَ في الملعب، اتصلنا بأهالينا وتوضّح لنا أكثر بأنّ هناك تهجمٌ كبيرٌ من جمهور الفتوة على جمهور الجهاد، حينها كنت أسكن في المدينة الجامعية، وبعد مرور عدة ساعاتٍ غدت جميع (كولبات) الاتصال مليئةً بشباب الكرد بغية الاطمئنان على الأهل.. وعند المساء توضّح للطلاب بأنّ هناك شهداء وجرحى، والنظام كان مشاركاً مع جماهير الفتوة بقتل شباب الكرد..
في اليوم التالي تجمّع المئات من طلاب الكرد؛ للوقوف دقيقة صمتٍ لأرواح الشهداء، وقد جهّزنا بعض اللافتات الصغيرة التي كانت تندّد بالمجزرة، ثمّ بدأ بعض الطلاب بالهتافات، وتحوّلت الوقفة إلى تظاهرةٍ.. وسرعان ما ازداد عدد المتظاهرين وتحوّلت من المئات إلى آلاف المتظاهرين، جميع الطلاب الكرد نزلوا من غرفهم في السكن الجامعي، وعند مرور المظاهرة أمام الوحدة السكنية السادسة الخاصة بالطالبات، حاولت إدارة السكن إغلاق أبواب الوحدة ومنع الطالبات، لكنّ شباب الكرد فتحوا الباب بالقوة.. استمرّت المظاهرة مدّةً ولم تخرج خارج أسوار المدينة الجامعية، بالرغم من أنّ بعض الطلاب كانوا يريدون التصعيد أكثر، لكنّ النظام كان قد جلب الكثير من قوات حفظ النظام، الذين تمركزوا حول المدينة الجامعية بأسلحتهم، حينها أدركنا بأنّنا إذا خرجنا خارج السور سيكون هناك المزيد من الشهداء.
توقّفنا في إحدى ساحات السكن الجامعي، وإذا بالنظام قد جهّز مسيرةً مضادةً لنا من الفرق البعثية والأمنية المتواجدة في السكن الجامعي؛ لتتصادمَ مع الطلبة الكرد، لكنّ شباب الكرد تجنّبوا التصادم، وبعدها تمّ تفريق التجمع والدعوة للمشاركة في المظاهرات في الأحياء الكردية بحلب.
– ليتكَ تحدّثنا عن بطولات الشباب الكرديّ..؟.
في تلك المرحلة كان خروج المظاهرة ضمن السكن الجامعي مقتصراً على الهتافات القومية ومواجهة الفرق البعثية وعناصر الأمن وقوات حفظ النظام بالشكل السلميّ وببطولةٍ كبيرةٍ..
– ماذا عن دور الحركة الكردية..؟.
أغلب أعضاء الأحزاب الكردية شارك في التظاهرة الكبيرة، ولكنّهم في اليوم الثاني بدؤوا بتهدئة الوضع والتزموا ببيانات أحزابهم، وحاول الكثير من الأحزاب إلغاء إحياء ذكرى حلبجة الوقعة في 16 آذار، ونشر الرعب بين الطلاب، وفعلاً بدأ النظام بحملة الاعتقالات، في ليلة 16 آذار صدرت نداءات شفوية من الطلاب الكورد الحريصين بتفريغ المدينة الجامعية لانه كما ذكرت بدأت المداهمات على الغرف.
– هناك من تمنّى لو أنّ الانتفاضة استمرّت ولم تتوقّف..! لِمَ توقّفت..؟ وهل كانت هناك إمكانيّةٌ لاستمرارها..؟.
برأيي الشخصيّ وكما يقول المثل: لم يكن بالإمكان أكثر ممّا كان، فالنظام حشد جميع فرقه الحزبية والفروع الأمنية وشبّيحته، وأعطاهم جميع الصلاحيات؛ لمواجهة أيّة تظاهرةٍ جديدةٍ، في تلك الحالة السلمية ليس من الممكن الاستمرار ومواجهة آلة القتل والقمع، وحسب تجربتنا عند مشاركتنا إحدى التظاهرات في حيّ الأشرفية (وغالبيته من الكرد) في مدينة حلب، حيث قام النظام بمواجهة تلك التظاهرة بعنفٍ كبيرٍ وسقط بعض الشهداء وتمّ اعتقال المئات.
– كيف كان الشارع الكرديّ خلال الانتفاضة..؟.
فقط في الأيام الأولى من الانتفاضة اصبح الشارع الكرديّ بأكمله، ولأوّل مرّةٍ كجسدٍ واحدٍ، الجميع كان مستعدّاً للتضحية.
– ليتكَ تحدّثنا عن جرائم أجهزة النظام بحقّ شباب الكرد..؟.
اعتقل النظام الكثير من الطلاب وقام بتعذيبهم بشكلٍ همجيٍّ، واستدعت المئات من الطلاب لتحقيقاتٍ يوميةٍ من دون اعتقالٍ؛ لنشر الرعب ومحاولة تشكيك الطلاب ببعضهم؛ أيْ العودة إلى التفرقة، كما وتمّ فصل بعض الطلاب لعدّة فصولٍ من الجامعة، ومنهم مَنْ فُصِلَ فصلاً نهائياً من الجامعة.
– ما النقاط المضيئة في الانتفاضة..؟ وماذا عن مواقف القوى الفاعلة دولياً من الانتفاضة..؟ وكيف كانت صورة الانتفاضة في الإعلام العربيّ والعالميّ..؟.
للأسف لم يكن حينها بالإمكان متابعة الإعلام بالنسبة لنا كطلبةٍ، والنظام وضع جميع مقاهي الإنترنت حينها تحت المراقبة وتسجيل الهويات؛ لذلك لم يكن من الممكن متابعة الإعلام ومعرفة المواقف الدولية.. لكنْ بشكلٍ عامٍّ لم تكن صورة الانتفاضة في الإعلام العربيّ والعالميّ بحجم بسالة تضحيات شباب الكرد.
– هل لكَ أنْ تقوّم لنا الموقف من الانتفاضة كردستانياً..؟.
للأسف كانت المواقف بسيطةً لا تصل لمستوى عظمة الانتفاضة، فالأحزاب الكردستانية كانت تخشى
على مصالحها مع النظام السّوريّ.
– هل كان هناك إعلامٌ كرديٌّ..؟ وكيف كان هذا الإعلام برأيكَ..؟.
برأيي.. لم يكن حينها تواجدٌ للإعلام الكرديّ بالشكل المطلوب، وكان مقتصراً فقط على بعض القنوات الحزبية وبعض المواقع الإلكترونية المستقلة، وكانت جلّ غايته إيصال الأخبار للشارع الكرديّ، ولم يكن بالإمكان إيصال أخبار الانتفاضة إلى الشارع العربيّ أو العالميّ.. وهذا لعدم امتلاكنا ككردٍ مؤسسةً إعلاميةً بكلّ ما تعنيه الكلمة.
– ما تقييمك لدور الفعاليات الكردية في أوروبا..؟.
لم تقم الجالية الكردية في أوروبا بالدور المطلوب، والسبب في ذلك هو افتقادها للمهنية والمؤسساتيّة في الفعاليات التي كانت تقيمها..
– كرد سوريا والانتفاضة: ما الذي اكتسبوه منها وما الذي خسروه؟.
خسرنا خيرة شبابنا في الانتفاضة.. لكنْ في المقابل كسرَ الشارع الكرديّ جدار الخوف الذي بناه نظام البعث على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، كما تمّ تدويل القضية الكردية في سوريا ولم يعد بمقدور النظام إخفاء قضية شعبٍ يعيش على أرضه التاريخية؛ وذلك بدليل اعتراف أعلى سلطةٍ في سوريا بوجود الشعب الكرديّ.
– هل بقينا أمناء للانتفاضة وشهدائها..؟.
للأسف قسمٌ من الحركة الكردية بدأ يشوّه الانتفاضة عند بدء التحضيرات لإحياء الذكرى الأولى للانتفاضة، بعضهم قال: (أحداث الملعب)، وبعضهم قال: (هبة جماهيرية)، وقليلٌ من قال عنها: (انتفاضة الشعب الكرديّ)..!.
عندما أحيينا الذكرى الأولى في جامعة حلب.. رفضت قيادات جميع الأحزاب تسميتها بـ (الانتفاضة)، ورفضت الوقوف خمس دقائق إجلالاً لأرواح الشهداء في ساحة جامعة حلب.. المكان المتعارف عليه لإحياء ذكرى مجزرة حلبجة، ونشرت تلك الاحزاب الخوف بين الطلبة الكرد وحاولت بشتى الوسائل منع خروج الطلاب، لكنّ المفاجأة كانت المشاركة الكبيرة للطلاب في الذكرى الأولى للانتفاضة؛ فقد شارك أكثر من 3500 طالبٍ في إحياء ذكراها.. وحاولتُ بعدها مع مجموعةٍ من الطلاب الذهاب إلى عفرين؛ للمشاركة هناك أيضاً، لكنْ للأسف تمّ اعتقالنا من قبل الأمن السياسيّ في حلب.
* ناشط سياسي وحقوقي ومعتقل سابق