عن انتفاضة 2004
بداية أود الإشارة إلى ملاحظة مهمة وهي ان العديد ممن أجريا معهم مقابلات أو البعض ممن كتبوا عن الانتفاضة يدمجون ما بين يوم الاتفاضة، وما جرى في ملعب الجهاد الرياضي والتي جرت الانتفاضة على غرارها، المبارات كانت في 11 اذار من عام 2004 بينما الانتفاضة اندلعت في 12 آذار.
لاشك تعد الانتفاضة الكوردية في 12 اذار من عام 2004 الحدث المدني والجماهيري والسياسيي السلمي الأكبر على الصعيد الداخلي في تاريخ سوريا منذ الاستقلال، حيث شاركت فيها نحو نصف مليون شخص في مدينة قامشلو وإمتدت إلى أن شملت كافة جغرفيا كوردستان الغربية، وكذلك المدن السورية التي تحضن جاليات كوردية كبيرة مثل دمشق وحلب، واستمرت لنحو أسبوع، عبر المحتجون عن رفضهم الاضطهاد والظلم وسياسة القهر والاجراءات التميزية والعنصرية حيال أبناء الشعب الكوردي، انتفض المحتجون ضدَ الاستخفاف بدم الشباب الكوردي، وبالرموز القومية الكوردية، ومطالبين بإيجاد حل ديمقراطي عادل لقضية الشعب الكوردي في سوريا، ودستور يقر بهذه الحقيقة، ويضمن حقوقه وينهي الاضطهاد والتميز بحق أبناءه.
هنا لن اتطرق إلى تفاصيل مجيْ فريق الفتوة( دير الزور ) وطريقة وشكل واسلوب دخوله وتجواله ضمن مدينة قامشلي وما حمله من صور ولافتات وما رفع من شعارات جميعها كانت استفزازية لسكان قامشلي وللشعب الكوردي، بالمختصر كانت عملية مدبرة من قبل الأجهزة الأمنية السورية وبالتنسيق مع محافظ الحسكة في ذلك الوقت سليم كبول، وإلا لكان بوسع المحافظ فك الشجار بين الفريقين بإستدعاء الاطفائيات ورش الماء خاصة وانه كان متواجدا في الملعب، بدلاً من أن يأجج المشهد بإطلاق النار من مسدسه ومطالباً الشرطة بإطلاق الرصاص الحي على انصار فريق الجهاد واصفاً إياهم بكلمات بذيئة، مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء جراء ذلك.
لقد إستغلوا الحدث الرياضي ليكون ذريعة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني لإعادة هيبة النظام الدكتاتوري، ولإعادة اصلاح جدار الخوف الذي شيده النظام خلال عشرات السنين، لطالما خرقت وفتحت فية كوة نتيجة النشاطات والمظاهرات والاعتصامات، التي قام به حزب يكيتي الكوردي في سوريا في ذلك الحين وفي العاصمة دمشق، ( مع الأسف بعد الانتفاضة السورية عام 2011 انحرف هذا الحزب عن خطه النضالي واصبح اداة طيعة بيد أجهزة الدولة التركية وشاهد زور في مفاوضات جنيف بشأن إيجاد حل للازمة السورية) والتي حظيت باهتمام الوكالات الاعلامية العالمية، خاصة العملاقة منها، وكذلك دفاعات المعتقلين السياسيين السوريين أمام محاكم أمن الدولة في دمشق.
يضاف إلى ذلك ماحدث في العراق من إسقاط النظام البعثي التوئم لنظام دمشق،، في اذار عام 2003 ، ومدى تأثير سقوطه الدراماتيكي على مزاج الشارع العربي المخدوع بالشعارات القوموية والشعبوية والتي كان النظامين يتقنانه وبحنكة فائقة يتشدقون به ويتلاعبون بعواطف الناس، هنا حاول النظام اللعب مجددا بالمشاعر لكسب الشارع المجروح والمستاء من مواقفه المتخاذلة بدءاً من مشاركته لقوات التحالف الدولي ضدَ العراق في عام 1991 ، ولعدم تقديمه لأي عون لنظام بغداد في محنته الاخيرة والمصيرية عند سقوطه في اذار عام 2003 على يد القوات الأمريكية، وبهدف تبرير مواقفه قامت اجهزة النظام بإيهام الشارع العربي في سوريا وكأن الكورد في العراق هم السبب الرئيسي لاستقدام قوات التحالف الدولي لإسقاط النظام، خاصة بعد أن أقر النظام والدستور الجديد في العراق والذي أقر للكورد هناك بإقليم فدرالي، متجاهلين مقولة شهيرة ” إن الطغاة هم من يجلبون الغزات . ”
استطيع القول في الختام أن الانتفاضة الكوردية المجيدة اظهرت وحدة الشعب الكوردي في الوطن والمهجر الدفاع عن نفسه وعن حقوقه بغض النظر عن التعدد السياسي والفكري الذي يسود شارعه السياسي، كما وازاحت الستار وبدد التشوية الذي فرضة النظام العنصري والدكتاتوري على حقيقة الوجود الكوردي في سوريا وجغرافية كوردستان، وحجم المشكلة الكوردية فيها، وعرف العالم الخارجي وحتى جزء كبير من الشعب السوري بتلك الحقائق، والتي لابدى من إيجاد حل عادل لها في إطار وحدة التراب السوري.
19 / 7 / 2023 بروكسل
* قيادي وكاتب ومعتقل سابق