صلاح بدرالدين
زكي الارسوزي من مواليد – اللاذقية – انتقل الى الاسكندرون لفترة طويلة ، ثم عاد يمتهن التدريس في دير الزور وحلب وغيرهما ، وله الدور الأبرز في انبثاق حزب البعث ، ومعلم الرواد الأوائل في هذا الحزب ، وقد طبع كتابه الموسوم ( الجمهورية المثلى ) في دار اليقظة العربية عام ١٩٦٥ ، وتضمن آراء ، وأفكار مشبعة بالعنصرية مثل : تفضيل الساميين على الاريين ، وعدم الزواج من غير العرب ، واتهام اليهود والاشوريين بسرقة شيئ من لغة العرب ، واديانهم ، وكلامهم ، ويصف الكرد في كتابه : ” يقتاتون من فضلات الموائد على المزابل ، وهم كاالكلاب ، ودخلاء ، واقذار ، وهم كالصراصير يجب سحقهم ، لكنهم ملة ضربت عليها الذلة والمسكنة ” ، وقد كان الرئيس حافظ الأسد معجبا بافكاره ، وقام بطباعة ونشر الاعمال الكاملة للارسوزي عام ١٩٧٣ ومن ضمنها كتابه ( الجمهورية المثلى ) في مطابع الإدارة السياسية للجيش والقوات المسلحة .
كما يظهر فقد كان لافكار الارسوزي تجاه المكونات القومية والدينية تاثيرا كبيرا على المثقفين السوريين بشكل عام ، ورجال السياسة من الأحزاب القومية والليبرالية ، والإسلامية ، وقد تجلى ذلك التاثير في الخطاب الوطني العام ، وفي المحاولات الأولى لصياغة دستور البلاد حيث تم تجاهل غير العرب بصورة مطلقة ، خاصة في وضع كان الصوت السياسي الكردي شبه غائب ، لان الكرد في تلك المراحل أي قبل انهيار الامراطورية العثمانية ومابعده ، كانوا في قلب المعاناة ، والهجرة والنزوح ، وكانت حركتهم القومية الوحيدة – خويبون – في عزلة تامة عن الأوساط الثقافية العربية ، وجل منشوراتها باللغة الكردية مما حجب ذلك جميع المعلومات والتطورات في مناطق كردستان عن الراي العام رالعربي .
وقد انعكس التاثير المباشر لافكار الارسوزي العنصرية على ثقافة وخطاب حزب البعث في كل من سوريا والعراق ، حيث ان المنطلقات النظرية لهذا الحزب بنيت على : ١ – تجاهل الوجود الكردي كشعب مقيم على ارض الإباء والاجداد ومن سكان المنطقة الأصليين ، واعتبارهم – جاليات – مهاجرة شبيهة بالجاليات العربية في أوروبا كما جاء في مجلة البعث النظرية – المناضل – في عدد صيف ١٩٦٦ ، وكذلك في مجمل خطابات وكتابات منظر البعث – ميشيل عفلق – . ٢ – سياسة التعريب والتهجير ، وتغيير التركيب الجيوغرافي بحسب مخطط الإحصاء والحزام كما جاء في تقرير الضابط الأمني البعثي – محمد طلب هلال – . ٣ – وحصل في كردستان العراق اكثر من ذلك عندما تم ضرب – حلبجة – بالكيمياوي .
من المعلوم ان الموقف العنصري لحزب البعث الذي حكم اكثر من خمسين عاما تجاه الكرد السوريين يشكل جزء أساسيا من جملة مواقف النظام الاستبدادية الاجرامية تجاه الشعب السوري برمته ، والتي ظهرت المعارضة ، وقامت الثورة من اجل انهاء تلك المواقف ، والسياسات ، والممارسات ، واجراء التغيير الديموقراطي ، وإعادة الحكم للشعب في ظل نظام سياسي تعددي تشاركي يزيل الغبن عن جميع المكونات ، ويستجيب للحقوق والطموحات المشروعة ، ويعيد لسوريا دورها الطبيعي في البناء والسلام .
هل توقفت الارسوزية ؟
مازالت – الارسوزية – مستمرة باشكال متعددة ، فبقايا البعث مازالوا بين ظهرانينا ، وكل ماتسنح لهم الفرصة يستعيدون نفس الخطاب العنصري المسموم تجاه الكرد الذي بثه زكي الارسوزي قبل نحو قرن ، ومن أنواعها المتداولة الاكتفاء بتجاهل الكرد ، وهذا يعني نفي مظلوميتهم ، وانكار حقوقهم ودورهم التاريخي في بناء سوريا ومشاركتهم في النضالات الوطنية منذ الاستقلال وحتى الان ، ونوع آخر قد يكون اكثر دهاء مفعما بالخبث وهو المناداة بالحل ( المواطني ) للقضية الكردية ، بمعنى منح الكرد المكلوم ، والمحروم من حقوقه القومية من ثقافية وإدارية ، وسياسية واجتماعية حق المواطنة ( ياله من حق !؟ ) .
نقيض الاستبداد والعنصرية هو الديموقراطية ، والمساواة ، والاعتراف بالحقوق ، وعلى الإدارة الانتقالية مابعد الاستبداد التي لم تحرك ساكنا في مجال القضية الكردية حتى الان ان تدرك ان الحرية لن تكتمل الا بإزالة نتائج النظام الدكتاتوري تجاه الكرد والمكونات الأخرى ، ولطالما نسمع منذ عقود ان ( الامبريالية والاستعمار والصهيونية ) تستغل الورقة الكردية ،واذا سلمنا جدلا بذلك فعلى الإدارة بدمشق سحب ( الورقة ) من ايدي الأجانب .