د. محمد محمود
ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين.
ويل لأمة تلبس مما لاتنسج ، وتأكل مما لاتزرع ، وتشرب مما لاتعصر.
ويل لأمة تحسب المستبد بطلا ، وترى الفاتح المذل رحيمًا.
ويل لأمة لاترفع صوتها إلا إذا مشت بجنازة ، ولا تفخر إلا بالخراب ولا تثور إلا وعنقها بين السيف والنطع.
ويلٌ لأمة سائسها ثعلب، و فيلسوفها مشعوذ، و فنها فن الترقيع و التقليد.
ويلٌ لأمة تستقبل حاكمها بالتطبيل و تودعة بالصَّفير، لتستقبل آخر بالتطبيل والتزمير.
ويلُ لأمة حكماؤها خرس من وقر السنين، ورجالها الأشداء لا يزالون في أقمطة السرير.
ويل لأمة عاقلها أبكم ، وقويها أعمى ومحتالها ثرثار .
ويلٌ لأمة مقسمة إلى أجزاء، و كل جزءٍ يحسب نفسه فيها أمة”
هذا ما قاله السيد جبران خليل جبران
قبل البدء في شرح اسباب فشل المثقف السوري عموما و الكوردي خصوصا في أنتاج أفكار أكثر واقعية بعيدا عن الشعارات الغوغائية و الرنانة و الطائفية و و القومجي المتعصبة لا بد من شرح تعريف المثقف حسب ما قال محمد عابد الجابري أحد أبرز وجوه الاتجاه الحداثي : (( يرى أن المثقف في جوهره ناقد أجتماعي أنه الشخص الذي همه أن يحدد و يحلل و يعمل من خلال ذلك ، على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل ، نظام أكثر انسانية و أكثر عقلانية .)) .
و يرى برهان غليون (( أن المثقف جزء من نخبه مثقفة و المثقفون لا فاعل اجتماعي جمعي و ليس مجموعة أفراد يشتركون في نشاط مهني أو علمي أو ذهني واحد يقرب فيما بينهم )) .
و يتابع غليون مبينا المقصود من عبارة فاعل اجتماعي فيقول (( و عندما نتحدث عن فاعل اجتماعي فنحن نشير الى قوة محركة و دينامية أجتماعية لا الى مبدع فكري )) .
أن تعريف السيد غليون يضع أيدينا على أطراف أزمة المثقف السوري ، فالمثقف فاعل أجتماعي يستمد فاعليته من انتمائه الى نخبه تملك القدرة على أنتاج المجتمع من خلال أنتاج الأفكار و المفاهيم الضرورية لاعطاء أفراد المجتمع هويتهم ، و تبرير مؤسساتهم و ممارساتهم ، أو دعوتهم ألى تأسيس حياتهم الاجتماعية على أفكار و مفاهيم جديدة .
و رغم ذلك ، لا يوجد تصنيف متفق عليه من هو المثقف و سنعمل على تصنيف قد يساعد على الفهم أكثر ، المثقف أما أن يستقل بعمله ، تصنيفا و تحليلا و فهما و أعادة أنتاج للمعرفة أو يستند الى كل ذلك ، و يضيف أليها صفة الممارسة فيتركب فعله من ثقافة و سياسة و ايديولوجيا أي يصبح مثقفا عضويا كما يقول غرامشي : لا مكان لمثقف السلطة داخل ما نشير أليه ، لأنه خادم السلطان بأمتياز مقولاته ايديولوجية ، يرميها في وجه المعارضين أو أزاء الواقع و كل مجرياته ، و لا يغير فيها تبدلاته المتمرة ، أي هو لا ينتج ثقافة بل يفرض ايديولوجيا معينة ، تكرس ثقافة السلطان السائدة الكولونيا كثير ، أي ثقافة السلطان .
و هنا هناك عدة اسئلة تعترضنا : هل ينتمي المثقف السوري عموما و الكوردي خصوصا الى نخبه تعمل على أنتاج المجتمع و تحقيق تماسكه الاجتماعي .؟ و من أين يكتسب المثقف سلطته و شرعيته ؟ و ما مصدر القيم و الأفكار التي يروج لها ؟ و هل لدى المثقف مشروع أو مشاريع ؟ و كيف ترتبط هذه المشاريع أن وجدت بالفضاء الثقافي و الحضاري الذي تنتمي أليه ؟
أن دور المثقف يكمن في قراءة الواقع انطلاقاً من الشرط الاقتصادي المحدّد له، ومن واقع الانهيار الاقتصادي للقطاعات الأساسية في الإنتاج، والتي شهدت قبل بداية الثورة وأثناءها تراجعاً حاداً في الزراعة والصناعة ولاحقاً تعطلاً شبه كلي، وافتقاداً لأي خطط للسياحة وسواها، وتزايد أعداد المفقرين، وتراجع معيشة الطبقات المفقرة، ودراسة كل مشكلات البينة الاجتماعية وأثر ذلك على العلاقات الاجتماعية، وسيادة علاقات أقرب للعائلية والدينية والعشائرية والمناطقية، ودوراً للسلطة الأمنية الشمولية في كل ذلك، وفي كيفية ترتيبه وضبطه في أشكال معينة. حين نبدأ الدراسة ضمن هذه المنهجية يستطيع المثقف العودة للواقع، وفهم آليات الصراع، وفهم أطراف الصراع، وتأثير فترة الثمانينات كذلك، وما هو شكل النظام السياسي، قبل تلك الفترة وبعدها والآن
خطورة المثقف ليس كما يشاع حسنه الدائم فقد يفتي بما يتعارض مع المجتمع وأفكاره وقيمه فمثلا في الغرب المثقف فرض على السياسي أشياء سلبية في نظرنا مثل زواج المثليين وأيضا فرض عليهم انتصارات صناعية وحضارية واقتصادية ايجابية وحقوق إنسان .
وفي الشرق فشل المثقف فرض أي شيء على السياسي حتى في القضية الوطنية و القومية لذلك كان خطأ المفهوم لتعريف المثقف مبكرا في الشرق وبنيت عليه الثقافة التي لم تنتج تغيير حتى اليوم
من هنا المثقف هو أصل التغيير والسياسي هو أداة التغيير إذا إقتنع برأي المثقف، والمثقف هو عامل التجديد وليس السياسي.
والنتيجة أن المثقف حر والسياسي عبد للحزب والبرنامج والأيديولوجيا والتابوهات المجتمعية ..
من أراد مثقفا فاعلا للتغيير لابد أن تكون لديه حرية فأين الحرية؟ فما أن يدلي المثقف برأيه الجديد حتى يجلد ويكفر ويخون ويزندق .. لذلك نعم أصبح المثقف إن وجد تابعا للراتب والوظيفة والسلطة وقوانين المجتمع.. هكذا يخلق المجتمع ما يسمى بمثقف على مقاسه أي دون حرية ولذلك قليل هم المثقفون الذين أحيانا يسميهم العامة وبعض الكتاب المفكرون .
الثقافة و السلطة :
قديما كان ادعاء الملوك الالوهية يدعي أن المعرفة و السلطة أو السياسة مجتمعان في مصدر واحد ، وتطور الفكر الانساني أدى الى ظهور فلاسفة حملوا روافد المعرفة فكان الأمر أما تكاملا بين السلطة و الثقافة (( التكامل بين الاسكندر الاكبر و الفيلسوف أرسطو )) ، أو التناقض و التصادم ثم التنكيل بالمثقف و صاحب المعرفة مثل ما حدث مع أفلاطون من طرد و تشريد و بيع في سوق النخاسة ، و هكذا لم تكن العلاقة بين الطرفين علاقة تكامل ، بل كانت على الأغلب تصادم و صراع و تضاد . و لما كانت العلاقة بين الطرفين تحتاج الى قبول الآخر بالكامل أو بالمعنى العصري أن تكون ديمقرطية عالية جدا ، و لكن نجد أن المواجهة كانت دائما تنتهي بالمثقف معتقلا منكلا به أو مقتولا .
و ما عشناه في سوريا هو أنعدام الحرية منذ الاستقلال و حتى الآن و ذلك بسبب عدم وجود حرية الفكر و أهدار لحقوق الانسان الاساسية ، و أنعدام سيادة القانون و بالعكس دائما كانت و مازالت السيادة للقوانين الاستثنائية ذات البطش الشديد ، و أنعدام الحوار الاجتماعي و عدم احترام التعددية الفكرية و السياسية و القومية و الاجتماعية بالمعنى الحقيقي لها ، و كذلك تفرد السلطات باصدار القرارات من القمة دون مشاركة الشعب في ذلك أو حتى ارضاه ، و غالبية القرارات كانت و مازالت تطبق بقوة القوانين الاستثنائية و بقوة القبضة الامنية بسبب تحويل الدولة الى دولة أمنية بامتياز .
أن مجتمعاتنا الشرق الاوسطية عموما و سوريا خصوصا تعيش حالة منغلقة رغم الادعاء بالانفتاح على الثقافات و لكنها بالعموم تعيش ازمات متعددة و متناقضة ، لأنها تعيش على اجترار الماضي و التغني به ، غير أبهة لما يدور حولها من تفاعل للثقافات و الحالات الابداعية ، التي تعيشها الثقافات الأخرى ، و أكبر مثال غالبية العلماء و المثقفين السوريين ابدعوا في الدول الاوربية و الغربية بينما كانوا في بلدهم مقمعين و لم يكون لهم أي رأي ، بينما نلاحظ في كثير من الدول الاوربية السوريين دخلوا البرلمانات و البلديات بسبب ابداعاتهم الفكرية و الثقافية …..
و لكن هذه السلطات في سوريا عموما غير قادرة لتشخيص الماضي و قراءة الحاضر بموضوعية للانطلاق لمستقبل المشرق .
و ذلك بسبب اغتصاب بعض المستبدين للسلطة و القرارات المصيرية و ثقافة المجتمع و أدلجة العلم و الثقافة وفق أهوائهم ، مانحين لأنفسهم الحق المطلق في تصنيف الناس و تقييمهم و تخوينهم أن قضت مصالحهم ذلك ..
فأيام المقبور حافظ الاسد كانت هناك محكمة عسكرية العليا كل شخص عربي كان يطالب بلقمة العيش اتهامه كانت جاهزة أنه مرتبط باسرائيل و كل كوردي كان انفصالي و حاليا الاوضاع في جميع المناطق أسوء أتهامات جاهزة على أوسع نطاق لكبت الاصوات و اسكات الحق بقوة السلاح … و أمام فوهة البندقية لا تبقى للكلمة الحق أي صوت ….!!
جرائم النظام اصبحت معروفة للقاصي و الداني ،و لكن بقية المناطق لا تقل عنه من حيث قمع الرأي الآخر بأسم الارهاب رغم الكل يمارس الارهاب الفوضوي و المنظم على رقاب المواطنين .
على الرغم أن علاقة الثقافة بالسياسة من حيث المبدأ هي علاقة وثيقة جدا و لا يمكن أن نجد مجتمعا يتطور و لا يمكن أن يزدهر بعيدا عن سياسة تنتجها الثقافة الحرة ، فجميع الازمات و معاناة الشعوب نتيجة وجود هذا الخلل الحاصل في هذه العلاقة ..
و لكن عندنا تقوم السياسة بأنتاج الثقافة بحيث يتحول المجتمع الى حجر و سكون يسوده الظلام و التخلف ، فالنظام السياسي في جميع المناطق بدون استثناء في سوريا هو الذي يحدد أساليب التربية و تنشئة الاجيال و هو الذي يتحكم بمقدرات البلد و امكانياته و هو الذي يحدد الاتجاهات الثقافية العامة للمجتمع ، كل ذلك بما يخدم مصالحه و يؤمن استمراريته و يجمع حوله مجموعة من المثقفين الانتهازيين الذي وصل بهم الاحباط الى مرحلة اليأس ، أو مجموعة من الوصولين الذين تحولوا و ثقافتهم الى منابر للسلطة ، و الحاكم الاستبدادي و الشمولي ، و في هذه الحالة تنتفي كل اشكال الابداع و التجديد و الانتاج الفكري و الثقافي الذي يشكل الغذاء الروحي للمجتمع ، كما تنتفي الثقافة ذات الطابع الانساني و الحضاري و الديمقراطي و حتى الوطني و القومي الحقيقي التي تساهم مساهمة فعالة في خلق جيل واع مثقف يمتلك كل مقومات الحضارة الانسانية و الوطنية و الاجتماعية . و قادرة على قيادة المجتمع بشكل يحقق العدالة و المساواة للمواطنين و افراد مجتمعه و يقر بحقوق الاخرين من قوميات الاخرى و يحمي ثرواته و اقتصاده من النهب و السلب و الابتزاز و الفساد .
المثقف و الاحزاب السياسية :
تمكن المثقفين في الغرب و المجتمعات الديمقراطية من ارساء اسس راسخة لموقف واضح تجاه سلطات دولهم تميز بالخصوصية و الاستقلالية عنها و انطلاقهم دوما و في جميع المواقف من المصلحة العليا لمجتمعاتهم و بلدانهم مما جعلهم مؤثرين في مجتماتهم لا متأثرين بالسياسة و تقلباتها ، أما في البلدان المتخلفة و منها السورية فأن المثقف حتى هذه اللحظة ليس له موقف واضح و دائما حائرا متأثرا بالتقلبات السياسية العديدة التي طرأت على بلداننا منذ البداية و حتى الآن لا مؤثرا فيها بدئا من مرحلة الاستعمار الاجنبي و ما يسمى بالثورات التحررية مرورا بمرحلة الانقلابات العسكرية وصولا الى مرحلة الراهنة و الاخطر و التي تميزت بظهور و سيطرت تيارات الاسلام السياسي أمثال الاخوان المسلمين و حزب الله و القاعدة و النصرة و داعش و القومجي العربي و غزوها لعقول شرائح واسعة من خلال غسل الادمغة و تتفق الاموال السياسية لشراء الذمم ، و غالبا ما اخفق المثقف في لعب دوره الحقيقي بسبب هذه التغييرات و لا يمكن لمثقفينا لعب دورهم الحقيقي و التأثير على المجتمع و اخراجه من دهاليز الجهل و التخلف .
على الرغم أنه لا يمكن فصل الثقافة عن السياسة يل يجب أن لا تنفصل لان أي انفصال يعني وضع السياسة تحت رحمة الرؤية الغير صحيحة للواقع القائم على تحقيق الاهداف الآنية دون أخذ الاهداف بعيدة المدى بعين الاعتبار ، و لكن لماذا ابتعدت السياسة عندنا عن الثقافة و الرؤية الفكرية بسبب عدم رؤية لاهداف الكبرى و فقط حصرها في الاهداف البرغمائية اليومية تخدم مصالح الجهات السياسية .
لذلك فشلت السياسة و فشلت الثقافة بسبب عدم واقعية الطرفين و كل طرف حاول و يحاول تحقيق مكاسبهم الخاصة على حساب المجتمع عموما ، لأنه لا يمكن أن تكون هناك سياسة صالحة وواقعية تخدم مصالح المجتمع بدون ثقافة واقعية واعية تحاول فهم الواقع لتغيره و هنا كانت تمكن على عاتق الثقافة الابتعاد عن النظريات الفكرية التي تتعالى عن الواقع بسبب طرح مشاريع طوباوية فاشلة ، و غالبية المثقفين السوريين عموما الآنا الذاتي طاغي على افكارهم و بقيت الساحة للساسة اغلبهم لا يملكون الرؤية للواقع و أنما عملوا و يعملون لكسب مكاسب سلطوية تسلطية على رقاب الناس بقوة السلاح و حولوا سوريا الى غابة و أصبحت الساحة للصوص و الحرامية و المنافقين و الانتهازيين و العملاء و الخونة يتحكمون بكل القرارات في جميع المناطق و بدون استثناء .
و من جهة أخرى فأن مسألة المثقف و الاحزاب السياسية لا يختلف كثيرا عن مسألة المثقف و السلطة ، لذلك فهي ليست فقط مسألة الايمان بالبرامج و المناهج السياسية و الشعارات الضبابية و الغوغائية ، (( لأن أغلب الانظمة الاستبدادية و الشمولية و الديكتاتورية ترفع شعارات نارية احيانا لاصلاح المجتمعات و تضع برامج سياسية لخدمة المواطنين و لكن في الواقع العملي لا يعملون الا لخدمة مصالهم السلطوية و الفئوية الضيقة ، اذا فأن المسألة تتعلق بالادارة الواعية للتنظيم و ممارسة الديمقراطية و احترام الرأي و الرأي الآخر ، و اعتماد العلم و المعرفة و التعامل بلغة العقل و المنطق مع القضايا السياسية و التنظيمية و الفكرية داخل الاحزاب ، و هذا يفتقده جميع الاحزاب و التكتلات و التيارات السياسية في سورية سواء العربية أو الكوردية ….
و لن يختلف عنهم التنسيقيات الشبابية التي خرجت في بداية الثورة السورية و انقسمت الى مجموعات و تيارات متناقضة مثل حالة التي تعيشها التيارات السياسية و ذلك حسب الجهة الداعمة لها – سواء من التيارات الدينية و السياسية المعارضة للنظام أو من الجهات الخارجية – متخذين من مواقع التواصل الاجتماعي مكانا لبث الاحقاد و للرد على الانتقادات و الاتهامات المتبادلة بين الاطراف السياسية ….
و غالبية التيارات و الكتل السياسية بما فيها التنسيقيات حولت صراعاتها الى انتقادات بين بعضها و نسيوا جرائم النظام وقمعه و جبروته لدرجة أنهم كانوا يجادولوا تناقضاتهم و صراعاتهم خلال يوم واحد ( 23 ساعة بين بعضهم و يخصصون ربع ساعة لمناقشة جرائم النظام ) .
و أصبح غالبية المثقفين داخل هذه الصراعات بدل أن يكونوا فعاليين لأيقاف الصراعات الجانبية بين جميع المكونات و توجيه السهم الاساسي نحو النظام القمعي و ادواته القمعية لذلك أصبحوا توابع بشكل مباشر أو غير مباشر لهذه الصراعات التافهة التي خدمت و تخدم النظام و جميع الاجهزة التسلطية في جميع المناطق و بذلك أصبحوا متأثرين و ليس مؤثرين على المشهد السياسي السوري عموما …..
و غالبية المثقفين لم يعالجوا الأسباب الحقيقية و الاساسية للأزمة السياسية داخل المجتمع من التخلف العقائدي و القيمي و الديني و التشرذم الحاصل على الساحة السياسية ضمن ما يسمى المعارضة و أنما وقفوا و يقفون على المظاهر و ليس الجوهر الحقيقي .
الثقافة و الثورة في سوريا :
يقول أميل زولا : أذا سألتني ماذا جئت تعمل و تفعل في هذا العالم أنا الفنان ؟ سأجيبك . أنا هنا لأعيش بصوت عال لذلك لا بد للمثقف أن يتحلى بالشجاعة و ينطق بالكلمة و يواجه الحقيقة و يكون لسان حال الناس و الحكم عنهم ، أن الثورة هي اللحظة التاريخية التي تتحدى فيها ، أرادة الشعب الحرة نظام الهيمنة غير القانوني للسلطة . و أسهم المثقف السوري في رصد هذه الهيمنة و تحليلها ، و قد برز في الثورة السورية الانقسام التاريخي بين المثقفين ، فتعددت نماذجهم بين مثقف منحاز للثورة و الحراك الشعبي ، و آاخر مؤيد للسلطة و مشرع للظلم و لخطاب النظام المجرم ، و ثالث حيادي يغيش غيبوبة بعيدا عن الاحداث و مع تنوع الانماط تنوعت النماذج للمثقفين السوريين من وجهاء ادتماعيين و ردال دين و أدباء و فنانين و علماء و أطباء و مهندسين والمعلمين و المدرسين و رجال الاعمال …….. و غير ذلك
كان لا بد للمثقف السوري عموما و بجميع مكوناته القومية الذي يقع على عاتقه توعية مجتمعه المأساوي من خلال المرحلة الصعبة التي يمر في ظل الانتشار الكبير لوسائل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا مهما في نقل معاناة الشعوب التي شهدت بلدانها ثورات شعبية ، و لكن يبدو أن غالبية المثقفين السوريين لم يحسنوا التصرف مع الصراع المعقد ، بل كانوا أدوات بيد الاجندات و القوى المتصارعة ، أو تأثروا بالصراع القائمة – أن صح التعبير .
أثناء حرب النظام على الشعب كتبنا رواية مشتركة باسم (( فوق ألسنة اللهب )) ، أنا و المرحومة المحامية ناديا خلوف ، و لاحظنا أن الثورة انحرفت عن مسارها الحقيقي بحيث غالبية المعارضة اصبحت في احضان من ليس لهم مصلحة في انتصار الثورة السورية و خاصة الانظمة العربية و ممالك الخليج و اعتمادهم على اموال هؤلاء أدى الى تحويل ثورة الحرية و الكرامة الى صراع طائفي و مذهبي بعيدا عن مطالب الشعب و دخلت غالبية المثقفين في هذه الصراعات و خدموا الاجندات الاقليمية و الدولية ووقتها كتبنا :
التالي :
بيان استنكار : العالم يدين قتل الأبرياء .
بيان تعاطف : يتعاطف العالم مع الشعب السوري .
بيان تساؤل : من استعمل الكيماوي في القتل ؟
بيان حسم : الغرب لا يستطيع المساعدة ، لاأن المعارضة مفككة .
بيان وطني مصنوع في دول عربية .
بيان ائتلافي مصنوع بأموال غربية .
بيان انقلابي : انتصر الاسلاميون ، انتصر النظام ، الحرب ضد الارهاب عنوان المرحلة ، من غير المسموح أن يقترب أحد من النفط العزيز .
في سورية شامان ، و شعبان ، شامهم ، و شام الأغلبية التي لا حول لها و لا قوة ، و فيلات فيها بعض الياسمين في أصيص يحتاج لمجهر حتى تراه ، فقد صدق الوافدون من الأرياف مقولة الياسمين ، حكموا ، و سللطوا الكتاب على التغني بما يحبونه . أما شام الأغلبية ، فهي شام العشوائيات ، و تربية الدواجن على السطوح ، و رائحة المجاري المكشوفة ، هذه سوريتنا قبل أن يقتل البوعزيزينفسه ، أما بعد ذلك ، فقد أخذت الأنظمة على عاتقها مهمة القتل ، حيث ترغب أن يكون الانسان شهيدا كي لا يدخل النار .
البوعزيزي مات كافرا سكن في جهنم الدنيا ، و يعدونه بجهنم أخرى ، أمراء حرب ، ضحايا ، لصوص ، و أبرياء ، من يدفع الثمن ؟ أنهم الأبرياء …!!!
بيان ختامي : سورية خاوية على عروشها ، أرضها محروقة ، أموالها مسروقة ، شعبها نصفان ، أحدهما ميت ، و الآخر مهجر .
و يقول تشارلز ديكنز في قصة مدينتين :
(( كان أحسن الأزمان ، و كان أسوء الازمان ، كان عصر الحكمة ، و كان عصر الحماقة ، كان ربيع الأمل ، و كان شتاء القنوط ، كان أمامنا كل شيء ، و لم يكون أمامنا شيء )) .
لقد كانت تلك الفترة أشبه ما تكون بعصرنا هذا …….!!!!