إبراهيم اليوسف
يعود الرئيس الأمريكي السابق رونالد ترامب إلى صدارة المشهد السياسي الدولي، مع إعلان نتائج الانتخابات الأميركية فجر اليوم، ويعود معه ملف معقد وحساس لطالما كان جزءاً من لعبة المصالح الدولية: الملف الكردستاني. في سياق تتأرجح فيه السياسة الدولية بين الدوافع الاقتصادية والتوازنات الجيوسياسية، لتصبح قضية الكرد، قضية أكبر شعب بلا دولة، إحدى الأوراق التي يعاد استخدامها في المفاوضات الدبلوماسية والصراعات المستمرة بين القوى الإقليمية والدولية.
أميركا والمصالح فوق المبادئ: الكرد أداة لا غاية
ومن أجل فهم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، لا بد من البدء بمبدأ أساسي: أميركا تعمل لمصلحتها أولاً وأخيراً. إذ لم تتورط الولايات المتحدة في أي صراع إلا حينما اقتضت مصالحها ذلك، وفي المقابل، تخلت عن حلفائها عندما انقضت الحاجة إليهم أو تلاشت المكاسب من ورائهم. الملف الكردستاني كان دائماً جزءاً من هذا الحساب، فالكرد أمة تمتد عبر خريطة تتقاسمها خمس دول، ويحملون هوية تعرضت على مر قرن كامل لمحاولات المحو الثقافي والسياسي، سواء عبر سياسات الاستبداد أو تحالفات المصالح. لكنه عند لحظة المحك الحقيقي، حين يُطلب الدعم الفعلي، تختار أميركا غالباً الصمت أو الحياد.
مثال صارخ على ذلك، كان موقف ترامب عندما تم احتلال مدينة كركوك بدعم من إيران وتركيا لصالح بغداد، بالاعتماد على مرتزقة الحشد الشعبي، و تواطىء حصان طروادة الكردي. كذلك الحال في احتلال عفرين من قبل تركيا، حيث اتخذت الولايات المتحدة موقف المتفرج، رغم أن الكرد في شمال سوريا (روج آفا كردستان) كانوا حليفاً أساسياً لها في حربها ضد داعش. ومن المفارقات أن ترامب، الذي وُصف بعدم معرفته بالكرد وقضيتهم، استخدم عبارات محيرة مثل “مستر كرد” عندما أشار إليه أحد الإعلاميين الكرد وهو رحيمي مراسل كردستان 24: ، ليُظهِر بوضوح محدودية معرفته بل جهله بدور الكرد وقضيتهم.
الكرد في الشرق الأوسط: هوية حية رغم المحاولات المستمرة للمحو
الكرد، الذين عانوا من ظلم تقسيمات سايكس بيكو، هم أكبر شعب بلا دولة في العالم. هذه الأمة التي صمدت أمام سياسات القمع والمحو، تجد نفسها اليوم جزءاً من توازنات سياسية إقليمية ودولية لم تخترها. الواقع الكردي يمتد عبر أربعة أجزاء رئيسة: كردستان العراق (باشور كردستان)، كردستان سوريا (روج آفايي كردستان)، كردستان تركيا (باكوري كردستان)، وكردستان إيران (روجهلاتي كردستان). على الرغم من الظروف القاسية التي يعيشها الكرد في مختلف هذه الأقاليم، فإنهم تمكنوا من الحفاظ على هويتهم وموروثهم الثقافي، وأصبحت قضيتهم رمزاً للمقاومة والتشبث بالحقوق.
عودة ترامب وورقة الكردستاني: بين المؤامرات والفرص الضائعة
عودة ترامب قد تعيد فتح الملف الكردي على طاولة المفاوضات الدولية، خاصة في ظل تزايد المخاوف التركية والإيرانية من تنامي التطلعات الكردية في المنطقة. تركيا، التي تتخوف من تنامي نفوذ الكرد في سوريا والعراق، قد تجد نفسها مجدداً مضطرة إلى إعادة حساباتها أمام ضغوط إدارة أميركية جديدة. كما أن إيران، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية، قد تجد نفسها مضطرة إلى التعامل بحذر مع الورقة الكردية في كردستان إيران (روجهلاتي كردستان).
لكن الأمل بفرصة تأسيس كردستان مستقلة يبقى محدوداً؛ فالسياسة الدولية تعمل وفق توازنات قوى معقدة قد لا تسمح بوجود دولة كردية مستقلة. فالتحالفات الإقليمية والدولية ضد قيام كردستان لا تزال قوية، ويبدو أن هذه المعطيات مصممة لتمديد الوضع الراهن لـ100 سنة أخرى، على غرار ما حصل منذ اتفاقية سايكس بيكو 1916 أي قبل أكثر من قرن من الزمان.
كردستان و100 سنة من التهميش: هل تتحقق النبوءة بعد فوز ترامب؟
ربما يمكن قراءة الأحداث ضمن رؤية شبه نبوئية، حيث تتجدد المؤامرات ضد الكرد عند كل منعطف تاريخي. قد تكون عودة ترامب هي الموجة الجديدة التي تفتح فرصاً وتحديات للكرد، لكن تظل لعبة القوى الكبرى مصممة على ضمان عدم تغير حدود الشرق الأوسط كما هي عليه. فلا يُراد لهذا الشعب الحصول على دولته المستقلة؛ بل تستمر سياسة الاحتواء والاحتواء المضاد لضمان استمرار سيطرة الدول الكبرى وتحقيق مصالحها.
الكرد في الأجزاء الأربعة: مقاومة لا تعرف الانكسار
في كردستان العراق (باشور)، أصبح للإقليم حكومة محلية وجيش قوي هو (البيشمركة)، واستطاع تحقيق مكاسب واضحة رغم التحديات، ولكن يبقى كل ذلك محدوداً بحكم ضغط الدول المجاورة وتدخلات القوى الكبرى. أما في روج آفايي كردستان (كردستان سوريا)، فقد أثبت الكرد قدرتهم على تحقيق نموذج إداري ذاتي، لكنهم في مواجهة دائمة مع التهديدات التركية والسياسات الأميركية المتقلبة. في باكور (كردستان تركيا)، تظل الهوية الكردية صامدة رغم قمع الحكومات التركية المتتالية ومحاولات المحو. وأخيراً، في روجهلات (كردستان إيران)، يقاوم الكرد ضد سياسات التهميش والتعسف، في ظل نظام يحاول محو هويتهم الثقافية والسياسية.
اللغة الكردية وعودة الهوية: هوية حية تعيد إحياء الأمة
ورغم القمع المستمر في كل الأقاليم الأربعة، استطاع الكرد الحفاظ على لغتهم وثقافتهم، لتبقى اللغة الكردية عنصراً مهماً في تعزيز الهوية القومية. فالصمود الكردي ليس فقط مقاومة سياسية، بل هو أيضاً مقاومة ثقافية تسعى لزرع قيم الحرية والكرامة في الجيل الجديد.
التحديات والمصير المعلق
في قراءة مستقبل الكرد، لا يمكن تجاوز قسوة الواقع الجيوسياسي الحالي، حيث تبقى المنطقة ساحة لصراعات مصالح القوى الكبرى. لكن روح المقاومة الكردية، التي صمدت أمام جميع المؤامرات والتحديات، ستظل حية، ولا شك أن الكرد يستمدون من تاريخهم الطويل إيماناً قوياً بحقهم في تقرير المصير.
قد تكون عودة ترامب هي إشارة لتجدد الصراع والمناورات السياسية حول الملف الكردي، إلا أن الكرد يدركون أنهم وحدهم في هذه المعركة الطويلة، وأن الطريق نحو دولتهم المستقلة سيظل مليئاً بالتحديات التي يجب مواجهتها بحذر وحكمة، في عالم لا يعرف سوى لغة المصالح.
٥-٦ نوفمبر٢٤
المصادر:
*على ضوء الأخبار التي تنشر في وسائل الإعلام والإنترنت تترى