على امتداد عمر الكيان السّوري، لعب الشّعب الكردي ونخبه الثّقافية والسّياسية والاجتماعية دورًا وطنيًا رياديًا ومشرّفًا، حيث أسهموا مع باقي مكونات الشّعب السّوري في بناء وطن يحتضن جميع أبنائه، يحترمهم، ويصون حقوقهم وهوياتهم. وبالرغم من الظّلم والتّجاهل والإقصاء ومحاولات طمس الهُويّة الكردية وصهرها، وما رافق ذلك من مشاريع عنصرية تستهدف تعريب الكرد وإبادتهم سياسيًا وثقافيًا، فإن هذه السّياسات فشلت في تحقيق غاياتها. فقد ظل الكرد السّوريون محافظين على انتمائهم القومي والوطني، واستمروا في نضالهم ضدّ كل من حاول المساس بحقوقهم القومية والوطنية.
ويشهد التّاريخ السّوري المعاصر على أن الكرد وحركتهم السّياسية، رغم ما تعرضوا له من اضطهاد، لم يحملوا السّلاح ضد الدولة، ولم يطلقوا رصاصة باتجاه الكيان الذي ساهموا في تأسيسه وحمايته، أي سوريا التي ستكون لجميع أبنائها بالحقوق والواجبات نفسها، وبقيم الحرية والعدالة والكرامة ذاتها. لم يكن امتناع الكرد عن الصّدام المسلح مع الدّولة ناتجًا عن ضعف أو استسلام لظلم نظام الأسد، بل كان تعبيرًا عن وعيهم الوطني وروحهم السلمية الأصيلة، وهو نهجٌ رسخته نخبهم الثّقافية، التي لا تزال ثابتة على مواقفها وستظل كذلك.
عندما اندلعت الثّورة ضد نظام البعث – الأسد، تفاءلت النّخب الثّقافية الكردية والسّورية على حد سواء بسقوط النّظام وانهياره، ورحبت بإمكانية تأسيس سوريا جديدة حرة من الاستبداد والطّغيان. وكان لهذا التّفاؤل ترجمته العملية حين أصدر عدد من الكُتّاب والأدباء الكرد السّوريين بيانًا إلى السّيد أحمد الشرع، الرّئيس المؤقت لسوريا، أعربوا فيه عن دعمهم لسوريا الجديدة، ووقّع عليه أكثر من 177 كاتبًا وكاتبة. غير أنّ الحكومة المؤقتة في دمشق، بدلًا من تبني نهج وطني جامع، واصلت سياسة الإقصاء نفسها التي اعتمدها النّظام البائد تجاه الشّعب الكردي وكياناته السّياسية والثّقافية، وأقصته تمامًا من المرحلة التّأسيسية لسوريا ما بعد الأسد. وما يُسمى ظلمًا بـ«مؤتمر الحوار الوطني» ليس سوى نموذج واضح عن هذا الإقصاء المتعمّد.
لقد زعم النّاطق باسم اللجنة التّحضيرية لهذا المؤتمر أنه ليس تجمعًا للأحزاب والكتل السّياسية، بل منصّة للنّخب والمثقفين والأدباء والأكاديميين السّوريين لتبادل الرّأي حول مستقبل البلاد. إلا أن هذه اللّجنة، رغم طرحها المشوّه لطبيعة المؤتمر، لم تتواصل مع أي تجمع ثقافي كردي سوري، ولم تدعُ أيًّا من الأدباء والمثقفين الكرد السّوريين البارزين للمشاركة.
بناءً على هذا السّلوك الإقصائي المُشين، نؤكّد رفضنا القاطع لتهميش الحركة السّياسية والثّقافية الكردية السّورية، ممثلة باتحاداتها وروابطها ومؤسساتها النّشطة داخل سوريا وخارجها. إنّ استمرار هذه الممارسات يعكس بوضوح بقايا الإيديولوجيا البعثية التي لا تزال تهيمن على تفكير بعض القائمين على إدارة سوريا اليوم.
إن طريقة التّحضير لهذا المؤتمر وإخراجه بهذا الشّكل لا تبشر بخير، بل تكشف عن غياب أي رؤية وطنية ديمقراطية حقيقية. لن يكون هذا المؤتمر سوى دليل ملموس على الفشل في التّأسيس لدولة وطنية محترمة، وسيمثّل وثيقة دامغة أمام العالم على تراجع الوعي والسّلوك الوطني لدى حكام سوريا الجدد. وعلى النّخب الثّقافية السّورية كافة أن تتحمّل مسؤوليتها الأخلاقية والوطنية في التصدي لمحاولات إعادة تدوير نظام البعث – الأسد تحت مسميات جديدة.
قامشلي في 26.02.2025
- الاتحاد العام للكتاب والصّحفين الكُرد في سوريا
- اتحاد كتاب كردستان سوريا
- اتحاد الكتاب الكرد – سوريا
- نقابة صحفيي كوردستان سوريا