‏سوريا: الاستقلال الثاني ومعركة إعادة بناء الهوية والنظام السياسي

أزاد خليل*
في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا منعطفًا تاريخيًا بعد إسقاط نظام الأسد، إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، بعيدًا عن عقود من الاستبداد والحرب. هذه المرحلة تشكل نقطة تحول نحو تحقيق تطلعات السوريين للحرية والكرامة، بعد أربعة عشر عامًا من النضال والتضحيات.
الفرص والتحديات أمام سوريا الجديدة
مع إسقاط النظام، باتت سوريا أمام فرصة تاريخية لإرساء نظام سياسي ديمقراطي يعزز التعددية، الحقوق المدنية، والعدالة الاجتماعية. ومع ذلك، تواجه البلاد تحديات جسيمة، أبرزها ضعف مؤسسات الدولة، التوترات بين المكونات الاجتماعية، واستمرار التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني.
هيئة حكم انتقالية
أولى الخطوات في هذه المرحلة هي تشكيل هيئة حكم انتقالية تضم شخصيات مدنية وعسكرية، تعمل على إدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية. تتولى هذه الهيئة مهامًا أساسية، مثل توفير الأمن، إعادة بناء الجيش الوطني، وإعادة صياغة العلاقات الدولية. لضمان نجاحها، يجب أن تتمتع الهيئة بالكفاءة، النزاهة، والاستقلالية بعيدًا عن أي انتماءات حزبية أو أجندات خارجية.
حكومة تسيير الأعمال
تحت إشراف الهيئة الانتقالية، ستكون حكومة تسيير الأعمال مسؤولة عن إدارة الحياة اليومية للسوريين، وضمان تقديم الخدمات الأساسية مثل التعليم، الصحة، وإعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة. كما ستعمل الحكومة على تعزيز التماسك الاجتماعي وتهيئة البيئة المناسبة لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
إعلان دستوري مؤقت
يعد الإعلان الدستوري المؤقت إحدى الركائز الأساسية للمرحلة الانتقالية، حيث يحدد الحقوق المدنية والسياسية، ويلغي القوانين الاستبدادية السابقة. سيضمن هذا الإعلان سيادة القانون وإطلاق عملية انتقال ديمقراطي شاملة، تمهيدًا لصياغة دستور دائم يعكس إرادة الشعب.
مؤتمر وطني جامع
ستتولى الهيئة الانتقالية الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع يشمل مختلف القوى السياسية والاجتماعية في سوريا. يهدف هذا المؤتمر إلى تحقيق المصالحة الوطنية، ووضع رؤية مشتركة لبناء دولة مدنية حديثة تعتمد على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
الدستور الجديد والانتخابات
بعد صياغة دستور جديد يعكس تطلعات السوريين، ستُجرى انتخابات حرة ونزيهة لإقرار هذا الدستور، وتشكيل مؤسسات دستورية دائمة. يمثل هذا المسار الخطوة الأخيرة نحو الاستقرار السياسي وإضفاء الشرعية على النظام الجديد، مما يمهد لمرحلة جديدة من البناء والتنمية.
الختام
رغم التحديات الجسيمة التي تواجه سوريا في هذه المرحلة، إلا أن الفرصة سانحة لبناء دولة جديدة تعتمد على مبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية. تحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر الجهود الوطنية والدولية، مع الالتزام بتطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة، بما يضمن طي صفحة الماضي والانطلاق نحو مستقبل مشرق.
*كاتب وباحث سياسي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…

خليل مصطفى مطالب كورد سوريا (بعد سقوط نظام البعث) ليست بجديدة، بل هي قديمة. فالغالبية العظمى من أبناء شعوب الأُمُّة السُّورية (وتحديداً ذوي الذهنية الشوفينية / عرباً وآخرين أمثالهم): لم يقرؤوا التاريخ الحقيقي لشعوب الأُمَّة السورية وتحديداً المُتعلق بالشعب الكوردي.؟! ولذا أُعرض للمعنيين (أعلاه) جزئيات من تاريخ سوريا (فترة الانتداب الفرنسي): أوَّلاً / عملت فرنسا خلال الأعوام من 1920 إلى…

يبدو أن هناك مرضاً متجذراً في المنظمات الكردية في روج آفاي كردستان، يتمثل في التبعية لمحاور كردستانية وإبراز المصالح الفردية على حساب الروح الجماعية والمؤسساتية. وللأسف، أصبح العمل عكس الشعارات والمواثيق والبرامج التي تعلنها هذه المنظمات ظاهرة واضحة، وكان آخرها ما يُسمى بـ”جبهة كردستان سوريا”. لقد كانت مطالبنا في هذه المرحلة واضحة وصريحة: توحيد الخطاب السياسي الكردي، والاتفاق على حقوق…

عصمت شاهين الدوسكي * هل الحرية أن تكون إنسانا أم شبيه إنسان ..؟ * هل ربحنا الحرية وخسرنا أنفسنا ..؟ * هل ربحنا الحرية وخسرنا أرض تنعم بالصحة والنعمة والأمان والسلام ..؟ * يا ترى من يقرأ ومن يسمع ومن يرى ومن يدون الحرية الإنسانية الحقيقية ..؟ تراكمت الحريات في العصر الحديث واغلب الناس يتمسك بها كملاذ لفكره وسلوكه وعمله…