د. محمود عباس
أكاد أجزم بأن الحزبية هي السيدة الحاكمة للموقف، بينما السياسة الحقيقية غائبة عن المشهد، لهذا تستخف أطراف الحراك الكوردي، أو لنقل طرفي الاستقطاب، بأهمية تشكيل هيئات كوردية مشتركة سياسية وقانونية وغيرها للتفاوض مع الحكومة الانتقالية باسم الشعب الكوردي، يتجاهلونها ليست لجهالة بل لأنهم أسرى الاتهامات ومصالح القوى الإقليمية، متناسين أن الاتفاق على البنود التي سيتم طرحها على طاولة الحوار الداخلي سيستغرق وقتاً طويلاً، في ظل هيمنة الخلافات، هنا نتحدث عن المنهجيات المتباينة التي يتبعها كل طرف، إلى جانب اختلاف طبيعة المطالب.
لذا، نطلب من الشخصيات الوطنية الثقافية والسياسية، التي تسعى لردم الهوة بين طرفي الاستقطاب أملًا في تشكيل هيئة مشتركة، عدم إضاعة الوقت في جدليات تكاد تكون عقيمة، بل شبه مستحيلة التحقيق، وذلك لأسباب عديدة. بدلًا من ذلك، ينبغي ترك كل من المجلس الوطني الكوردي وقوى الإدارة الذاتية للعمل بشكل مستقل، مع تقديم الدعم لكل طرف على حدة لتشكيل هيئات متنوعة ومدعومة بمشاريع موسعة يضعها مختصون، تعكس طموحات الشعب الكوردي في سوريا المستقبلية. هذا هو الحد الأدنى الذي يجب على الوطنيين القيام به لإنقاذ شعبهم من سذاجة طرفي الاستقطاب.
يجب أن يتم تشكيل هذه الهيئات على أسس وطنية واضحة، وبمشاريع قابلة للتنفيذ تؤمّن حقوق الشعب الكوردي والأقليات الأخرى في سوريا، ليتم التفاوض عليها مع الحكومة الانتقالية في دمشق. كما ينبغي على الطرفين أن يأخذا بعين الاعتبار تأثيرات الدول الإقليمية، التي تميل إلى تفضيل سلطة مركزية تحدّ من حقوق القوميات ضمن إطار الحكومة والدستور.
ورغم هذا الاحتمال الخطير، الذي قد يضع القضية الكوردية في سوريا على المحك، وربما تصل إلى نقطة يكون فيها الكورد تحت رحمة ما ستقرره الحكومة السورية القادمة في الدستور، والذي قد يُفصل على مقاس مفهوم “الأمة الإسلامية”، مع ذلك فإن الأطراف الكوردية تواصل عنادها بعدم التفاهم على إطار سياسي مشترك:
-
يبدو أن المجلس الوطني الكوردي يحاول طرح نفسه كممثل وحيد عن الشعب الكوردي، كطرف مستقل عن الائتلاف السوري، خصوصًا مع تراجع نفوذ الائتلاف إلا إذا تدخلت تركيا لإعادة تحريكه لتحقيق مصالحها. لكنه وعلى الأغلب لن يتمكن من لعب دور قوي على الساحة السياسية، خاصة في ظل افتقاره إلى دعم حقيقي وفعال، مما يجعله يعتمد على نشاطات شخصيات من قيادته في دمشق. في هذه الظروف، من المحتمل أن يقتصر تمثيله على وزارة شكلية في حكومة مركزية، بدستور ينوه إلى حقوق الأقليات فقط، مثل الحقوق الثقافية والاجتماعية، وحرية التعليم باللغة الكوردية، ولكن في مدارس خاصة غير مدعومة من الدولة، بينما يظل مفهوم “الأمة الإسلامية” محور الدستور والمجتمع السوري القادم.
-
وفي المقابل الإدارة الذاتية والتي تتمتع بثقل سياسي وعسكري واقتصادي يدعم موقفها التفاوضي. فهي تدير أكثر من 20% من الأراضي السورية وتسيطر على أكثر من 70% من ثروات البلاد، بما في ذلك النفط والزراعة. إلى جانب ذلك، تمتلك خبرة إدارية كافية لتشكيل هيئات متكاملة بمشاريع مسودات مدروسة تُعرض أولاً على القوى الدولية قبل تقديمها لطاولة المفاوضات، هذا الدعم والقوة يجعلها لاعبًا رئيسيًا في الحوارات مع الحكومة الانتقالية وربما الدول الداعمة لها، مثل تركيا.
رغم أن هذا المطلب، أي دعم الطرفين بشكل منفصل، من جهة لا يتماشى مع رغبات الشارع الكوردي، ومن جهة أخرى قد يفتح المجال أمام الحكومة المؤقتة للمطالبة بتوحيد الصف الكوردي والاتفاق على جهة واحدة تمثل الكورد في الحوار معها، بحجة عدم إمكانية التفاوض مع طرفين في وقت واحد، يبدو منطقيًا من الناحية الحزبية – السياسية، لكنه مدمر من الناحية الاستراتيجية، إذ يحمل خطر تكرار الإخفاقات التاريخية الكارثية التي عانى منها الكورد مرارًا.
وبالتالي لا بد من العمل على إقناع الطرفين، قوى الإدارة الذاتية بشكل خاص، لإعداد خارطة طريق شاملة لمستقبل المنطقة الكوردية، تعرض للتفاوض عليها، هذه الخارطة ينبغي أن تتضمن:
-
سياسيًا: السعي لتمثيل فعّال في الحكومة القادمة.
-
قانونيًا: التركيز على كتابة دستور يرسخ نظامًا لا مركزيًا، مع منح المنطقة الكوردية وضعًا فيدراليًا، يضمن لها قوات محلية لحماية أمنها.
-
اقتصاديًا وتنفيذيًا: التفاوض لاحقًا على توزيع الثروات وإدارة التجارة والبنية التحتية بما يضمن حقوق المنطقة ومواردها.