رسالة إلى السيد أحمد الشرع والسيد مظلوم عبدي

عنايت ديكو

سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام.

سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان.

هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية.

فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة تشكيل وهيكلة خاصة، لا تشبه أي تحول سابق، لأن اللاعبين لم يعودوا فقط محليين أو إقليميين، بل أصبحت الأرض السورية مسرحاً مفتوحاً لتقاطع المصالح الدولية الكبرى، بكل ما تحمله من أدوات ضغط وتحكم.

يريد العرب في معظمهم أن تبقى سوريا دولة مركزية لها مفتاح واحد وباب واحد مثل مفتاح باب الحارة، موحدة بالشكل التقليدي، وتابعة سياسياً واقتصادياً لمحور بعينه، لكن هذا الحلم يصطدم بواقع التمزق الجغرافي والطائفي والقومي والعرقي والمذهبي، وبنشوء سلطات “أمر واقع” على الأرض لم تعد تقبل بالعودة إلى ما قبل 2011.

وفي المقابل، يحلم الكورد بحقهم التاريخي والإنساني، ويريدون أن تصبح سوريا دولة جديدة، ديمقراطية تعددية فيدرالية، تعترف بتعدد الهويات، وتمنحهم مكانة دستورية عادلة تعكس وجودهم وحقهم في تقرير مصيرهم الثقافي والسياسي. غير أن هذا الطموح أيضاً محكوم بمعادلات أعقد من مجرد الإرادة والحقوق والتاريخ.

فسوريا اليوم محكومة بالشروط: شروط الفاعلين الدوليين، شروط الجغرافيا السياسية، شروط الخرائط غير المعلنة، وشروط التوازنات العسكرية التي يُعاد ترسيمها كل يوم. لا أحد يمتلك مفاتيح سوريا بالكامل، ولا أحد قادر على فرض رؤيته النهائية عليها. فالميدان موزع، والرؤى متناقضة، والحلول المؤجلة تُصاغ على طاولات الغير، لا في المجالس والمؤتمرات الوطنية السورية.

إن الحقيقة التي يصعب القبول بها اليوم، هي أن لا طرف داخلياً، عربياً كان أو كردياً، يملك وحده مفتاح الحل أو الخلاص.

المطلوب اليوم ليس تحقيق أحلام غير واقعية، بل إنتاج تسوية عقلانية تُراعي موازين القوى، وتُبنى على الاعتراف المتبادل والعدالة التشاركية، لا على الهيمنة أو الرفض أو الإقصاء.

نعم، فسوريا لن تعود إلى سابق عهدها، ولن تكون كما يُراد لها من طرف واحد. لكنها يمكن أن تصبح دولة ممكنة البقاء، إذا ما استطاعت مكوناتها أن تتجاوز لغة الامتلاك والإنكار والرفض والإقصاء، وتبدأ بلغة الشراكة والتوازن والقبول.

أعتقد أن في سوريا القادمة، لا أحد ينتصر وحده، ولا أحد ينهزم بالكامل. إنها معادلة الجغرافيا السياسية الصعبة التي لا ترحم الحالمين، لكنها تكافئ الواقعيين.

——————

ألمانيا – بون

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

منظمة حقوق الإنسان في عفرين أستُقبل وزير الثقافة في الحكومة الإنتقالية السورية محمد ياسين صالح و الوفد المرافق له في مدينة عفرين ، على أنغام الزرنة و الطبل من قبل أبناء المنطقة إلى جانب بعض من المواطنين العرب القاطنين منذ سنوات في المدينة ، وسط غياب أغلب رؤوساء البلديات و أعضاء منظمات و نشطاء المجتمع المدني و الأكاديميين الكُرد ،…

عزالدين ملا شهدت سوريا خلال العقد الماضي تحولات عميقة قلبت معالم المشهد السياسي والاجتماعي فيها رأساً على عقب، وأدت إلى تفكك بنية الدولة وفقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. بعد سقوط النظام الذي حكم البلاد لعقود، توقّع الكثيرون بداية عهد جديد يعمه السلام والاستقرار، لكن سوريا دخلت في دوامة أعمق من الصراع، إذ تعقّدت الأزمة بشكل لم يسبق له…

عبدالرحمن كلو لم يكن مؤتمر قامشلو مجرّد لقاء عابر بين طرفين متخاصمين في الساحة الكوردية، بل كان خطوة نوعية تُلامس أفقًا سياسيًا أوسع بكثير من مجرد “اتفاق ثنائي”. فبرعاية أمريكية وفرنسية، وبإشراف مباشر من الرئيس مسعود البارزاني، تمكّن المؤتمر من جمع طيف متنوع من القوى، لا يقتصر على المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بل شمل شخصيات وطنية مستقلة،…

هولير (ولاتي مه) شفيق جانكير: بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع “ولاتي مه”، جرى في كافتيريا “أريزونا” بهولير (أربيل) تكريم الباحث والمحلل السياسي الأستاذ عماد باجلان. وجاء هذا التكريم تقديرا لدور باجلان البارز في الساحة الإعلامية والسياسية، وجهوده المتواصلة في الدفاع عن الحقوق والقضايا العادلة للشعب الكردي، ووقوفه في مواجهة الأصوات الشوفينية والعنصرية التي تحاول إنكار حقوق الكورد أو…