دمشق بين الرسائل الحادّة والشروط الأوروبية الصارمة !

عنايت ديكو
عندما يتعلق الأمر بمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية، يختلف الأوروبيون عن الأمريكيين في أسلوبهم وفهمهم للأحداث والقضايا. فهم لا يكتفون فقط بوضع الاستراتيجيات، بل يتعاملون مع المواقف بنوع من المرونة وكأنهم يرسمون لوحة فنية متقنة. فكل حركة، وكل كلمة، وكل تفاعل يتم دراسته بعناية فائقة. وهذا ما برز بوضوح في الزيارة الرسمية التي قام بها وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا، آنالينا باربوك وجان نويل بارو، إلى دمشق الجديدة.
الرسائل السياسية والدبلوماسية:
بعد أربعة أسابيع فقط من سقوط النظام البعثي في دمشق، أوفد الاتحاد الأوروبي باربوك وبارو في مهمة دبلوماسية رفيعة. على متن طائرة عسكرية ألمانية، وبسترة واقية من الرصاص، حملت باربوك رسالة أوروبية مزدوجة: عروض سخية ومطالب قاسية للحكومة الانتقالية في دمشق.
أبرز ما حملته الرسالة الأوروبية:
– حلّ الميليشيات وإدماجها في القوات المسلحة السورية، مع الحرص على تفادي تسمية الجيش بـ”الجيش العربي السوري”.
إشراك جميع الطوائف والمكونات والمذاهب والأعراق في بناء سوريا الجديدة.
– حلّ القضية الكوردية بشكل سياسي يضمن الحقوق والأمان للكورد، مع التأكيد على دورهم في محاربة الإرهاب.
– احترام حقوق المرأة والطوائف المسيحية ومنع أعمال الانتقام.
– دعوة القوى الكوردية (قسد) إلى تسليم السلاح والمشاركة في بناء سوريا موحدة.
– إخلاء القواعد العسكرية الروسية وتدمير الأسلحة الكيماوية البعثية تحت إشراف دولي.
في مسألة البروتوكولات والمواقف الاستثنائية:
– لم يكن الجانب الدبلوماسي هو الوحيد الذي أثار الانتباه. فباربوك تركت البروتوكولات الرسمية جانباً، واختارت ارتداء لباس شبابي مميز يحمل في طياته رسالة استعراضية، لتصافح السيد أحمد الشرع عن قصد. هذا التصرف، وإن بدا بسيطاً، حمل في طياته دلالات عميقة تعكس تصميم الأوروبيين على فرض شروطهم بقوة.
– أما لغة البدن والجسد، فقد كانت أبلغ من الكلمات. لقد تقدمت باربوك بخطوات واثقة نحو قاعة الاجتماعات، بينما تباطأ الشرع، ناظراً نحو الأرض وكأنه كان يواجه واقعاً جديداً يفرض فيه الآخر شروطه.
الرسالة الأوروبية التحذيرية: “نحن نراقبكم!”
– كان حديث باربوك وزميلها بارو صريحاً: لا عودة للعلاقات الدبلوماسية والسياسية إلا إذا استوفت الحكومة الانتقالية شروط الاتحاد الأوروبي. وحملت هذه الرسالة بين طياتها تحذيراً صريحاً، بأن أوروبا ستظل تراقبكم عن كثب، وفي كل خطوة تتخذونها في دمشق الجديدة قبل أي اعتراف أو مساعدة اقتصادية.
باربوك ختمت زيارتها بتصريح قوي:
“نحن هنا من أجل العدالة ومحاسبة النظام المجرم، ولتأسيس سوريا تمنح الحقوق وتحمي الجميع، بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو الطائفة.”
في الأخير:
نستطيع القول بأن زيارة “باربوك وبارو” إلى دمشق كانت مشروطة وليست مجرد حدث سياسي، بل هي خطوة تمهد لمستقبل سوريا الجديدة. هذا المستقبل الذي سيظل معلقاً بشروط واضحة: العدالة، والحقوق، والمساءلة.
أجل… فاللوحة السياسية معقدة في سوريا، والرسالة الأوروبية هي بمثابة اختبار حقيقي لدمشق الجديدة. فهل ستلتزم دمشق بالشروط… أم ستظل عالقة بين أمجاد الماضي وضرورات المستقبل؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
جان كورد
جان كورد
11 شهور

مقال جيد جاء في وقته.

اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…