خارطة الصراع في الشرق الأوسط: سوريا على طريق اللامركزية

خالد إبراهيم
 تشهد سوريا تحولات جذرية في سياستها الداخلية والإقليمية، حيث يبدو أن الحل السياسي يتجه نحو نظام لامركزي يراعي تنوع المكونات والطوائف ويستجيب للضغوط الإقليمية والدولية. هذا الاتجاه لا يعكس فقط الواقع العسكري والسياسي على الأرض، بل يعبر أيضًا عن رغبة القوى الدولية في تحقيق توازن مستدام يمنع انهيار الدولة، مع ضمان مصالحها الاستراتيجية. اللامركزية: الحل الممكن للأزمة السورية النظام اللامركزي بات الحل الأكثر ترجيحًا للأزمة السورية، حيث يمكن أن يوفر:
  1. تمثيلًا أفضل للمكونات المحلية: الأكراد، العرب، الدروز، العلويون، السريان، وغيرهم سيحصلون على مساحة من الحكم الذاتي، ما يخفف من التوترات الطائفية والعرقية.
  2. تقاسم السلطة: النظام المركزي أثبت فشله في سوريا بعد عقود من السيطرة الأحادية. اللامركزية يمكن أن تضمن توزيعًا عادلًا للسلطة والموارد.
  3. إرضاء القوى الدولية والإقليمية: الولايات المتحدة، روسيا، وتركيا قد تجد في اللامركزية صيغة تضمن مصالحها، من خلال دعم مناطق نفوذ محددة دون تهديد وحدة الدولة. الوجود الأمريكي في شرقي الفرات: حجر الزاوية في اللامركزية الولايات المتحدة تعمل على تعزيز فكرة اللامركزية في سوريا من خلال دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرقي الفرات.
  قسد كإدارة محلية:
  تسعى قسد لتقديم نفسها كنموذج لإدارة ذاتية قادرة على الحكم المحلي وحماية الأمن، بدعم أمريكي مستمر.
  هذه الإدارة تُظهر أن اللامركزية يمكن أن تكون خيارًا عمليًا لاستقرار سوريا. حماية المصالح الإقليمية:
  الوجود الأمريكي في شرقي الفرات لا يهدف فقط لدعم قسد، بل لحماية مصالح الحلفاء الإقليميين مثل السعودية، الأردن، والإمارات، ومنع أي تهديد إيراني أو روسي. الجولاني وإدلب: نموذج آخر للامركزية في الشمال الغربي، يلعب أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، دورًا مشابهًا في إدارة إدلب كمنطقة ذات حكم محلي فعلي.
  1. إعادة تشكيل الصورة:
يحاول الجولاني تقديم نفسه كحاكم محلي مسؤول عن استقرار إدلب، عبر “حكومة الإنقاذ” التي تُظهر نموذجًا لإدارة مدنية مستقلة.
  1. التفاهم مع تركيا:
  التنسيق مع تركيا يعزز موقعه في إدلب كجزء من ترتيبات لامركزية غير معلنة، تسمح له بالسيطرة على المنطقة مقابل ضبط الأمن ومنع تدفق اللاجئين. جنوب سوريا: نموذج مغاوير الثورة وأحمد العودة في الجنوب، تظهر ترتيبات أخرى تعكس التوجه نحو اللامركزية:
  مغاوير الثورة:
  قوات محلية مدعومة أمريكيًا تنشط في منطقة التنف، تعمل ككيان شبه مستقل لتأمين المنطقة الحدودية.
  جماعة أحمد العودة:
  تعمل تحت مظلة روسية-إسرائيلية لضمان استقرار الجنوب السوري ومنع النفوذ الإيراني، مما يعزز فكرة الإدارة المحلية ضمن سياق لامركزي. تركيا والدولة العميقة:
 بين المركزية واللامركزية التناقض بين “تركيا الدولة” و”تركيا السلطة” يظهر بوضوح في سوريا:
  تركيا السلطة (أردوغان): • تدعم ترتيبات اللامركزية في الشمال لضمان استقرار الحدود وتعزيز نفوذها الإقليمي. الدولة العميقة:
  لا تزال ترى في المركزية السورية عاملًا مهمًا لاستقرار النظام القديم ومنع الفوضى. إسرائيل والطوائف السورية: ضمان الاستقرار عبر اللامركزية إسرائيل تدعم فكرة اللامركزية لأنها تضمن تحييد الطوائف عن الصراعات الكبرى، مما يمنع تهديد أمنها:
  1. الدروز:
  تدعم الدروز في الجنوب كإدارة محلية قادرة على ضبط الأمن.
  1. العلويون:
تشجع بعض القيادات العلوية على قبول اللامركزية كحل يضمن وجودهم السياسي بعد تراجع سيطرة النظام. تراجع إيران وإعادة رسم الخارطة مع تراجع النفوذ الإيراني بسبب الضغوط الدولية والاقتصادية، باتت القوى الأخرى، مثل الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل، أكثر حرية في الدفع نحو ترتيبات لامركزية تضمن تحقيق مصالحها دون الحاجة إلى صراع مباشر.
 ختامًا: نحو سوريا لامركزية؟ التحولات الجارية تشير إلى أن سوريا تتجه نحو نظام لامركزي قد يُفرض كأمر واقع، حيث تدار البلاد عبر مناطق نفوذ محلية تدعمها قوى إقليمية ودولية.
 هذا النظام قد يكون الحل الأمثل لتخفيف حدة الصراعات وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة، مع مراعاة خصوصيات كل مكون ومصلحة كل فاعل دولي. رغم التحديات، اللامركزية قد تكون الطريق الوحيد لضمان استقرار سوريا ومنع عودة الصراع إلى المربع الأول.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   يا سوريا، يا رعشة التاريخ حين يختلج على شَفَة المصير، ويا لُغزَ الهوية حين تُذبح على مذبح الشرعية، ما بين سراديب القهر وأعمدة الطموح المتداعية. أنتي ليستِ وطناً فقط، بل أسطورةٌ تمشي على أطرافِ الجراح، تهمس للحاضر بلغةٍ من دمٍ، وتُنادي المستقبل بنداءٍ مختنقٍ بين الركام. أيُّ قدرٍ هذا الذي يجعل من أرض العقيق محرابًا للدم، ومن…

نتابع، في الشبكة الكردية لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، بقلق بالغ تصاعد حالات اختطاف الأطفال القُصَّر، خاصة الفتيات، من قبل ما تُسمى بـ”منظمة جوانين شورشكر” أو “الشبيبة الثورية”. حيث يُنتزع هؤلاء الأطفال من أحضان عائلاتهم ويُخفَون في أماكن مجهولة، دون تقديم أية معلومات لأسرهم عن مصيرهم. لقد حصلنا على قوائم بأسماء عدد من القاصرين والقاصرات الذين تم اختطافهم…

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم منذ سقوط النظام، وشهدت البلاد تحولًا سريعًا- يشبه ما يحدث في الخيال العلمي- وكأنها عاشتها على مدى قرن بل قرون. هذه الفترة القصيرة كانت مليئة بالأحداث الجسيمة التي بدت وكأنها تحولات تاريخية، رغم قصر الوقت. ومع كل هذه التغيرات، تبقى الحقيقة المرة أن السوريين يواجهون تحديات أكبر من أي وقت مضى. بدأت المرحلة الجديدة…

نظام مير محمدي*   في خطبته التي ألقاها الولي الفقيه علي خامنئي بمناسبة عيد الفطر قال وهو يشير الى التهديدات المحدقة بالنظام الإيراني: “يهددوننا بالشر. لسنا على يقين بأن الشر سيأتي من الخارج، ولكن إن حصل، فسيتلقون ضربة قاسية. وإذا سعوا لإشعال الفتنة في الداخل، فإن الشعب الإيراني سيتولى الرد”، وفي کلامه هذا الکثير من الضبابية وعدم الوضوح لأن…