حول المقاربات التركية الأخيرة

 اكرم حسين

تشهد تركيا تطورات ملفتة في الأسابيع الأخيرة على صعيد قضية اكرادها ، وهي تحركات قد تكون لها انعكاسات ايجابية على مستقبل المنطقة ككل ، وبغض النظر عن دوافع الدولة التركية وخلفيات هذه التحركات، فإن التعامل معها بجدية يظل أمراً ضرورياً ، إذ ان مسار السلام يظل دائماً هو الطريق الأمثل لتقليل الخسائر المادية والبشرية بشكل كبير، مقارنة بالحروب والصراعات التي لا تجلب سوى الكوارث والدمار….!

لقد أثبتت التجارب أن الحلول العسكرية لا تسفر إلا عن تعقيد الأزمات واستنزاف الطاقات البشرية والمادية، في حين أن الحوار والسلام يفتحان آفاقاً جديدة وفرصاً واقعية لإعادة البناء والتنمية ، ولذلك، ينبغي التعاطي مع المقاربات التركية الجديدة بتفاعل إيجابي، مع الأخذ بالاعتبار الحذر اللازم . فالتغييرات الملموسة لا يمكن أن تحدث بين ليلة وضحاها، والتفاوض والعمل السياسي يتطلبان بناء جسور الثقة وتقديم تنازلات مشتركة.

إن امتداد الصراع  المسلح بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لأكثر من أربعين عاماً قد أدى إلى خسائر فادحة لكلا الجانبين ، لكن الأثر الأعظم  وقع على الشعب الكردي . فالمعارك المستمرة، والتصعيد العسكري المتكرر، لم يسفرا إلا عن موجات من التهجير القسري، وتدمير القرى والمدن، ونزوح الآلاف من الكرد بحثاً عن الأمان والمأوى . لذلك، فإن استثمار هذه اللحظة ومحاولة تحويلها إلى فرصة دائمة لإنهاء الصراع ، يجب أن تكون أولوية قصوى.

وعلى الرغم من التحفظات والمخاوف، فإن نجاح أي عملية سلام بين تركيا والكرد سيساهم في تحسين الأوضاع في أجزاء أخرى من كردستان، وخاصة في كردستان سوريا. فقد عانت المناطق الكردية فيها من تدخلات عسكرية تركية متكررة ، وتمت استباحة أجزاء منها عبر عمليات عسكرية واسعة النطاق، ترافقت مع تغيير ديمغرافي وهندسة سكانية قسرية في عفرين ، وأُجبر السكان على ترك بيوتهم تحت وطأة العنف والتهديد . وتعرضت المناطق الكردية المتبقية لهجمات بالطائرات المسيّرة والقصف المدفعي، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاستقرار وهدد النسيج الاجتماعي في المنطقة.

لا يمكن إنكار أن تركيا، في غياب التوازن الدولي والظهير الأمريكي، تنظر بعين الطمع إلى أي فرصة لتوسيع نفوذها على حساب الكرد في سوريا، وهي تتحين اللحظة المناسبة للانقضاض على ما تبقى من أراضيهم. في ظل هذه الأوضاع . فإن نجاح عملية السلام بين الكرد وتركيا سيخلق جواً من الأمان والاستقرار يمكن أن ينعكس بشكل ايجابي على الأوضاع في سوريا، ويضع حداً للتدخلات المستمرة.

حث الخطى باتجاه السلام عملية ليست سهلة، لا بل تتطلب شجاعة ومرونة من جميع الأطراف . لكن من دون العمل الجاد لإنهاء الصراع، سيبقى الشعب الكردي هو الضحية الأكبر، وسيدفع ثمن حرب لم تكن من خياراته  في معظم الأحيان. فالتوجه نحو حل سياسي يتطلب من قيادة حزب العمال الكوردستاني التفكير في مصلحة الأجيال القادمة، وإدراك أن أي تقدم في عملية السلام سيصب في النهاية في مصلحة جميع الكرد في مختلف أرجاء كردستان.

وعليه، يجب عدم إضاعة هذه الفرصة، والسعي بجدية نحو إنهاء الحرب، وتحقيق السلام العادل الذي يحفظ حقوق الجميع، ويضع حداً لمآسي الكرد التي استمرت لعقود طويلة. فالحرب لم تكن يوماً الحل، والمستقبل لا يُبنى إلا عبر الحوار والتفاهم المشترك.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…