محلل سياسي
يواجه حزب العمال الكردستاني (PKK) واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخه، حيث أصبح أمام خيارات مصيرية قد تعيد تشكيل مستقبله بالكامل. فمع دعوة زعيمه التاريخي، عبد الله أوجلان، للتخلي عن السلاح والتركيز على العمل السياسي، أصبح الحزب أمام تحد داخلي كبير قد يؤدي إلى انقسامات حادة بين مؤيدين لنهج أوجلان ورافضين له، أو قد يدفع الحزب إلى فقدان الكثير من شرعيته وتأثيره على المشهد الكردي الأوسع.
هذا التطور لا ينعكس فقط على الحزب نفسه، بل يمتد تأثيره إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والإدارة الذاتية المعلنة في روجافا (شمال شرق سوريا)، باعتبارهما منبثقين عن أيديولوجية حزب العمال الكردستاني ومتأثرين بتوجهاته. لذا، فإن أي تحول في سياسات PKK قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية الكردية برمتها، خاصة في سوريا وتركيا.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل حزب العمال الكردستاني
أمام حزب العمال الكردستاني ثلاثة مسارات رئيسية، كلها تحمل تداعيات كبيرة على مستقبله:
-
التخلي عن السلاح والتحول إلى العمل السياسي
إذا استجاب الحزب لدعوة عبد الله أوجلان وأوقف عملياته العسكرية ضد تركيا، فقد يفتح ذلك بابا للمفاوضات مع الحكومة التركية، وربما إعادة إحياء عملية السلام التي توقفت منذ سنوات. لكن هذا الخيار يواجه تحديات، أبرزها رفض التيار المتشدد داخل الحزب لهذه الفكرة، مما قد يؤدي إلى انقسامات داخلية حادة وربما مواجهات بين أجنحة الحزب المختلفة. -
التصعيد العسكري واستمرار النهج المسلح
قد يختار الحزب رفض دعوة أوجلان والمضي قدما في نهجه المسلح، ما يعني استمرار المواجهات مع تركيا وتصاعد القتال في شمال العراق وسوريا. لكن هذا الخيار قد يكون مكلفا، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية على PKK، مما قد يؤدي إلى تآكل شرعيته بين الأكراد الذين بدأوا يميلون إلى الحلول السياسية بدلاً من المواجهات العسكرية المستمرة. -
صراع داخلي وانقسامات بين أجنحته
السيناريو الأخطر هو دخول الحزب في صراعات داخلية بين أنصاره التقليديين الذين يؤمنون بالكفاح المسلح، وبين مؤيدي دعوة أوجلان للانتقال إلى العمل السياسي. هذا الصراع قد يضعف الحزب ويفقده تأثيره بين الأكراد، مما يترك فراغا قد تستغله أطراف أخرى، سواء كانت قوى كردية منافسة أو أنظمة إقليمية تسعى إلى الحد من نفوذه.
التأثير على حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية في روجافا
يعد حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الجناح السياسي لـ وحدات حماية الشعب (YPG)، التي تعتبر القوة العسكرية الأساسية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. ونظرا للعلاقة الأيديولوجية القوية بين PYD وPKK، فإن أي تغيير جذري داخل حزب العمال الكردستاني سيكون له تداعيات مباشرة على مستقبل الإدارة الذاتية الكردية في سوريا.
1. سيناريو التحول السياسي لـ PKK وتأثيره على PYD
إذا قرر PKK التخلي عن السلاح والتركيز على العمل السياسي، فقد يتبنى PYD نهجا مماثلا، مما قد يعزز فرص التفاهم مع النظام الجديد في سوريا. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى ضغوط داخلية من الجناح العسكري الرافض لأي تنازلات.
2. استمرار النهج المسلح وزيادة التوتر في سوريا
إذا استمر حزب العمال الكردستاني في العمل العسكري، فقد يدفع ذلك تركيا إلى تصعيد عملياتها العسكرية في شمال سوريا، مما يضع الإدارة الذاتية أمام خطر كبير. فأنقرة تعتبر PYD امتدادا لحزب العمال الكردستاني، وإذا استمرت PKK في الصراع المسلح، فستزيد تركيا من استهدافها لمناطق الإدارة الذاتية، مما يعقد وضع الأكراد في سوريا.
3. انقسامات داخلية تهدد الإدارة الذاتية
إذا حدث انقسام داخلي في PKK بين أنصار أوجلان ورافضي دعوته، فقد ينعكس ذلك أيضا على PYD، مما قد يؤدي إلى اضطراب سياسي داخل الإدارة الذاتية. وهذا قد يفتح المجال أمام قوى أخرى، مثل العشائر العربية أو الفصائل المدعومة من تركيا، لاستغلال الخلافات الداخلية وتقويض مشروع الادارة الذاتية في روجافا.
مستقبل ضبابي أم فرصة للتغيير؟
يجد حزب العمال الكردستاني نفسه أمام مفترق طرق حاسم، حيث سيحدد قراره بين السلاح أو السياسة ليس فقط مستقبله، بل أيضا مستقبل القوى الكردية المرتبطة به، وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية في روجافا.
إذا اختار الحزب العمل السياسي، فقد يؤدي ذلك إلى تحول كبير في العلاقة مع تركيا، وربما يفتح المجال لحل سياسي أوسع في المنطقة. أما إذا استمر في النهج المسلح، فإن التصعيد العسكري سيكون له عواقب خطيرة على الأكراد في سوريا والعراق وتركيا. وفي حال نشوب صراع داخلي، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف المشروع الكردي برمته، وخلق فراغ تستغله القوى الإقليمية لصالحها.
في النهاية، يبقى القرار في يد قيادة PKK، لكن خياراتهم لن تؤثر فقط على الحزب، بل ستعيد رسم الخريطة السياسية الكردية في المنطقة بأسرها.