صلاح بدرالدين
بحكم تواجدنا القسري في لبنان في سنوات نظام البعث وحكم الدكتاتور حافظ الأسد ، تعرفنا عن كثب على قادة الحركة الوطنية اللبنانية وفي المقدمة الشهيد كمال جنبلاط ، الذين استقبلونا برحابة الصدر ، ولاننا كنا مستهدفين من أجهزة ذلك النظام الشوفيني المجرم ، فقد قدم لنا الرفاق اللبنانييون ، والأصدقاء في منظمة التحرير الفلسطينية ، كل أسباب الأمان والحماية من ملاحقات ، ومحاولات الخطف والتصفيات ، واكثر من ذلك فقد فتحوا امام منظمة حزبنا آنذاك ( منظمة البارتي اليساري ) أبواب مؤسسات الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة الشهيد جنبلاط ، بعد ان شاركت في المؤتمر التاسيسي للحركة ، كما وفروا وسائل نشاطنا الإعلامي ، وإمكانية تشكيل – رابطة كاوا للثقافة الكردية – والجمعية الثقافية الاجتماعية الكردية – في بيروت ، واحياء احتفالات نوروز من جانب فرقة – كاوا – ، واستقبال الوفود الكردستانية من مختلف البلدان ، وكذلك تنظيم دورات منتظمة لتربية الكادر ، وتهيئة المناضلين ، سياسية ، امنية ، عسكرية ، وتسهيل الحصول على منح دراسية للطلاب الكرد .
إضافة الى الشخصية الكاريزمية لجنبلاط ، ودوره المحلي والإقليمي والعالمي ، وكونه رمزا للنضال الوطني الديموقراطي ، وترؤسه للجنة العربية للتضامن مع الشعب الفلسطيني ، ورئاسته للحركة الوطنية اللبنانية ، فقد كان بغاية الاهتمام بوضع الكرد بالمنطقة ليس لانه من أصول كردية فحسب بل لمشاعره الإنسانية النبيلة تجاه قضايا الحرية ، وحقوق الانسان في كل مكان ، فبعد تحقيق الانتصار التاريخي والتوقيع على اتفاقية الحادي عشر من آذار عام ١٩٧٠ التي دشنت الحكم الذاتي لكردستان ، من جانب كل من الزعيم الراحل مصطفى بارزاني ، ورئيس العراق احمد حسن البكر ، والتي دامت عدة أعوام ثم بدأ نظام البعث الشوفيني بالتراجع ومحاولة التنصل وإصدار قانون – مسخ – جديد للحكم الذاتي الذي سمي بالكرتوني ، ثم بدأت سلطة صدام حسين بالتحضير لاشعال الحرب من جديد ، والتخطيط لابرام اتفاق خياني مع شاه ايران للاطباق على ثورة كردستان العراق بقيادة الزعيم الراحل بارزاني ، تحركت قوى الخير من اجل قطع الطريق على المغامرة البعثية ، وحينذاك في أواخر عام ١٩٧٣ شرحنا للشهيد جنبلاط خطورة الوضع هناك ، وتمنينا عليه بالتحرك لمحاولة عدم حصول الحرب ، واتفقنا على اقتراح تشكيل لجنة عربية من كل من : جنبلاط وياسر عرفات ، والرئيس اليمني الجنوبي سالم ربيع علي ، وجورج حبش ، من اجل التدخل ، ووافق الجميع وتم تكليف جنبلاط بالتوجه الى العراق ، ووصل بغداد فعلا واجتمع مع صدام حسين ، واكمل الى كردستان واجتمع مع مصطفى بارزاني ، ثم عاد واخبرنا وعلائم الحزن على محياه ان صدام حسين رفض التوسط ، واصر على القتال ، في حين ان بارزاني وافق ، ولم يمضي وقت طويل حتى هاجمت القوات العراقية كردستان ، وحصلت الهجرة المليونية ، وواجهت الثورة انتكاسة عميقة ومكلفة حتى تجددت الثورة من جديد ، وحصل شعب كردستان على الفيدرالية .
لان الشهيد جنبلاط وقف الى جانب الشعبين اللبناني والفلسطيني ، ومع الحق والعدالة في كل مكان ، قام حافظ الأسد شخصيا بإصدار الامر باغتياله في مثل هذا اليوم ١٦ آذار عام ١٩٧٧ ، من اجل ان يزيل العقبة الأساسية امامه للسيطرة على لبنان وضرب الحركة الوطنية ، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، ويشاء القدر ان يتم القاء القبض على الضابط الذي اشرف على عملية الاغتيال ( اللواء إبراهيم حويجة ) وكان حينها مديرا للمخابرات الجوية وذلك بعد سقوط النظام ، وتحديدا خلال احداث الساحل السوري .
كل التحية لذكرى الشهيد كمال جنبلاط