إبراهيم كابان
يترقب الشعب الكردي وتركيا وعموم الشرق الأوسط خطاب عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل، حيث من المتوقع أن يشكل نقطة تحول حاسمة في مسار عمليات السلام بين الكرد والحكومة التركية. يأتي هذا الخطاب وسط توترات سياسية وعسكرية متزايدة، ما يجعله حدثًا ذا أهمية استراتيجية تتجاوز القضية الكردية لتشمل التأثير على المشهد الإقليمي، وخاصة في سوريا.
إطار الخطاب والسياق السياسي
لطالما كان أوجلان، حتى من داخل سجنه، لاعبًا رئيسيًا في التفاوض على مبادرات السلام بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة. وبينما يقود حزب المساواة والديمقراطي الكردي جهود التحضير لهذا الخطاب، يبدو أن هناك توجهًا لإعادة إحياء مساعي التسوية التي توقفت منذ سنوات. ولكن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه: هل ستكون هذه المبادرة مختلفة عن سابقاتها، أم أنها ستواجه المصير ذاته نتيجة التناقضات العميقة بين الطرفين؟
أهداف الخطاب وتوقعاته
تشير بعض التسريبات إلى أن الخطاب قد يتضمن:
- إعلان نوايا لوقف الأعمال العسكرية: من المحتمل أن يدعو أوجلان إلى هدنة جديدة، وهو أمر قد يكون موضع ترحيب من قبل الحكومة التركية، لكنه في المقابل قد يواجه معارضة من بعض الفصائل داخل حزب العمال الكردستاني التي ترى أن أنقرة غير جادة في تحقيق السلام.
- مطالب سياسية وحقوقية: سيؤكد الخطاب على الحقوق الثقافية والسياسية للكرد، وربما يضع خارطة طريق جديدة للمفاوضات، تشمل تعزيز الحكم الذاتي أو توسيع الحقوق داخل تركيا.
- انعكاسات على الأزمة السورية: مع تعقيد الصراع السوري ودور القوى الكردية هناك، قد يحمل الخطاب إشارات حول كيفية تعامل حزب العمال الكردستاني مع الملف السوري، خاصة مع استمرار التحالفات المتغيرة بين الفصائل الكردية والقوى الإقليمية والدولية.
التحديات أمام نجاح مبادرة السلام
رغم الأهمية الكبيرة للخطاب الذي يدعو إلى السلام والتسوية السياسية، إلا أن هناك العديد من العقبات الجوهرية التي قد تعرقل نجاح أي مبادرة مستقبلية، سواء كانت على المستوى المحلي أو الإقليمي. هذه التحديات تنبع من عدة عوامل، تتراوح بين المواقف السياسية المتشددة والانقسامات الداخلية، وصولًا إلى التعقيدات الجيوسياسية التي تلقي بظلالها على المنطقة. ويمكن تلخيص أبرز هذه التحديات في النقاط التالية:
أولًا: الموقف التركي المتشدد
لا تزال الحكومة التركية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تتبنى سياسات أمنية صارمة تجاه القضية الكردية، وهو ما يشكل عقبة رئيسية أمام أي تقدم حقيقي في مسار المفاوضات أو التسويات السلمية. فمنذ سنوات طويلة، تعاملت أنقرة مع الملف الكردي من منظور أمني وعسكري، معتبرة أن أي تنازل في هذا الإطار قد يهدد الأمن القومي التركي. بالإضافة إلى ذلك، تستند تركيا في موقفها إلى رفضها القاطع لأي كيان كردي مستقل أو حتى شبه مستقل داخل حدودها أو على حدودها الجنوبية، مما يزيد من تعقيد فرص الحلول الوسط.
علاوة على ذلك، تتعامل الحكومة التركية بحذر شديد مع أي مبادرة سلام قد تتطلب تخفيف الإجراءات الأمنية أو تقديم تنازلات سياسية، خشية أن يُنظر إلى ذلك على أنه ضعف داخلي، خاصة في ظل الأوضاع السياسية المتوترة داخل تركيا، حيث يسعى أردوغان وحزبه إلى الحفاظ على قاعدة الدعم القومي والوطني. وهذا التشدد يجعل أي مبادرة سلام تواجه تحديات كبيرة من حيث القبول الرسمي لها، أو الاستعداد لتقديم تنازلات حقيقية تضمن نجاحها.
ثانيًا: الانقسام داخل الحركة الكردية
من العوامل الأخرى التي تعيق نجاح أي مبادرة سلام هو التباين الكبير داخل الأوساط الكردية نفسها حول كيفية التعامل مع أنقرة. فهناك أطراف داخل الحركة الكردية ترى أن الحوار والتفاوض هو الطريق الأمثل للوصول إلى حل مستدام، بينما تؤمن أطراف أخرى بأن الصراع المسلح أو الضغوط العسكرية والسياسية هما الخياران الأكثر فعالية. هذا الاختلاف في الرؤى قد يؤدي إلى تباين في المواقف تجاه أي مبادرة يتم طرحها، مما يقلل من فرص نجاحها، إذ تحتاج أي تسوية سياسية إلى وحدة الصف بين الأطراف المعنية لضمان قدرتها على التفاوض بفعالية وتحقيق نتائج ملموسة.
كما أن الخلافات بين الأحزاب الكردية المختلفة، سواء داخل تركيا أو في المناطق المجاورة مثل سوريا والعراق، تلعب دورًا في إضعاف الموقف التفاوضي الكردي، مما يمنح أنقرة مزيدًا من النفوذ في فرض شروطها أو التملص من أي التزامات مستقبلية. وقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في هذه الانقسامات، حيث تختلف الأولويات والاستراتيجيات بين الفصائل المختلفة، وهو ما يضعف أي جبهة موحدة يمكن أن تسعى إلى تحقيق حل شامل ومستدام.
ثالثًا: التحولات الإقليمية وتأثيرها على مسار التسوية
من العوامل الحاسمة في مستقبل أي مبادرة سلام هو السياق الإقليمي المتغير باستمرار، حيث تلعب التحولات في موازين القوى الدولية والإقليمية دورًا جوهريًا في تحديد مدى نجاح أو فشل أي تسوية مطروحة. فعلى سبيل المثال، العلاقة بين تركيا والقوى الفاعلة في سوريا، مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران، تشهد تغيرات مستمرة، وهو ما ينعكس على حسابات أنقرة بخصوص القضية الكردية.
في بعض الفترات، قد تجد تركيا نفسها مضطرة لتخفيف موقفها تجاه الأكراد في إطار صفقات سياسية أو تفاهمات دولية، بينما في فترات أخرى قد تتبنى مواقف أكثر تصلبًا بسبب تغير الأولويات الاستراتيجية. هذا التذبذب في السياسات يجعل من الصعب بناء مبادرة سلام تستند إلى أسس ثابتة ومستدامة، حيث تبقى أي تسوية رهينة بالتحولات السياسية والعسكرية في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، فإن أي مبادرة سلام تحتاج إلى دعم إقليمي ودولي قوي لضمان نجاحها، وهو أمر قد يكون صعب التحقيق في ظل الخلافات العميقة بين القوى الكبرى حول ملفات المنطقة. فبينما قد تدعم بعض الدول مساعي السلام، قد ترى أطراف أخرى في استمرار التوتر فرصة لتحقيق مكاسب جيوسياسية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع ويجعل تحقيق السلام أكثر صعوبة.
المحصلة: هل نشهد انفراجة أم أزمة جديدة؟
في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال الأكبر: هل سيشكل خطاب أوجلان اختراقًا حقيقيًا في الأزمة الكردية التركية، أم أنه سيكون مجرد مبادرة أخرى تنتهي بالفشل؟ رغم التفاؤل الذي قد يحمله البعض، فإن الواقع السياسي المعقد يجعل من الصعب التنبؤ بنتائج واضحة. لكن ما هو مؤكد أن هذا الخطاب، أياً كان مضمونه، سيكون له تداعيات عميقة على تركيا، الكرد، والمنطقة بأسرها.
لاتسبقوا الحوادث،السياسة لاتخضع لقوانين الرياضيات،اي سلام مع أردوغان لن يكون لصالح الكورد….وفقط يكون لصالحه…