بشار الأسد من بيت الأب إلى كرسي السلطة ومزارع المنفى

إبراهيم اليوسف
 
بيت الأب: جذور السلطة ومظاهر التواضع الظاهري
يقع بيت حافظ الأسد في حي المهاجرين بدمشق، وهو منزل متواضع نسبياً مقارنة بمظاهر الفخامة التي يتوقعها المرء لمن امتلك سلطة مطلقة في سوريا لعقود. هذا الحي، الذي يشتهر بأجوائه الشعبية نسبياً، أصبح رمزاً للواجهة التي اختارها حافظ الأسد، وكأنها رسالة مبطنة بأن العائلة الحاكمة تعيش وسط الناس، قريبة من نبض الشارع.
لكن هذا التواضع كان واجهة تُخفي وراءها نظاماً شمولياً استأثر بثروات البلاد ووزعها بين أفراد العائلة والمقربين. من هنا، كان منزل المهاجرين جزءاً من استراتيجية سياسية لبناء صورة الزعيم “القريب من الشعب”، في حين أن الواقع كان مغايراً تماماً؛ إذ توزعت مليارات الدولارات بين حافظ الأسد وأبنائه وأقربائهم، واستثمرت في مشاريع وممتلكات داخل سوريا وخارجها.
كرسي السلطة من الأسد إلى الشرع..؟
عندما تسلم بشار الأسد مقاليد الحكم خلفاً لأبيه، جلس على الكرسي الذي كان يُفترض أنه يرمز لاستمرارية الدولة، لكنه تحول إلى رمز لترسيخ الحكم العائلي. المثير للاهتمام أن هذا الكرسي كان ممكناً أن  يجلس عليه فاروق الشرع- وهومن عائلة أحمد الشرع ذاته-. الجلوس على هذا الكرسي لم يكن مجرد فعل إداري، بل كان تجسيداً لانتقال سوريا من مرحلة إلى أخرى، من نظام شابه أسس للدكتاتورية في عهد حافظ، إلى نظام واصل المسيرة ذاتها في عهد بشار، إلا أن نائب الرئيس فاروق الشرع لم يجلس عليه، وكأني بقريبه أحمد الشرع قد ثأرله؟
كرسي الرئاسة، الذي كان يجب أن يمثّل أفقاً للحوار السياسي، تحول بجلوس  حافظ وبشار عليه إلى منصة للإغلاق الكامل للمشهد السياسي، حيث أُقصيت الأصوات المختلفة وصودرت الحياة السياسية بالكامل لصالح مشروع عائلي كان أقرب إلى شركة عائلية منه إلى دولة.
منزل بشار: واجهة داخلية وخطط خارجية
بيت بشار الأسد، الذي حافظ على طابع بسيط نسبياً مقارنة بمستوى ثرواته، يعكس تناقضاً واضحاً بين الداخل والخارج. كان البيت رمزاً لزيف التواضع الذي أراد بشار أن يظهره لشعبه، بينما كانت الثروات تتكدس في بنوك أوروبا وآسيا، وتُستثمر في مزارع وقصور خارج سوريا.
هذا التناقض يمكن تفسيره من منظور نفسي وفلسفي. ربما أدرك بشار منذ البداية أن حياته في سوريا لن تكون دائمة، وأن مصيره مرتبط بالمنفى، مثل العديد من القادة المستبدين الذين انتهى بهم المطاف في الخارج. لذلك، كان استثماره الحقيقي في العقارات والمزارع الفاخرة خارج البلاد، حيث بنى عالماً موازياً بعيداً عن أعين الشعب السوري، ليكون ملاذاً آمناً عند الضرورة.
الثروات الخارجية أوالملاذ الآمن لزوال الحكم
بناء المزارع والقصور خارج سوريا لم يكن مجرد استثمار اقتصادي، بل كان تعبيراً عن تفكيرعميق بعدم استقرار الحكم. بشار، الذي ورث عرشاً هشاً من أبيه، كان يدرك أن سلطته مستمدة من شبكة من القمع والفساد لا يمكن أن تدوم. لذلك، كانت ثرواته الخارجية جزءاً من استعداده لمستقبل مجهول، يبتعد فيه عن البلاد التي حكمها بالقوة.
أما التواضع الظاهري في منزل المهاجرين أو قصر بشار الشخصي، فهو لا يعكس القناعة أو الزهد، بل هو واجهة إعلامية لتضليل الرأي العام. فقد كانت الغرف المتواضعة ستائر تخفي خلفها مليارات الدولارات، وذهباً يتقاسمه آل الأسد وآل مخلوف، ضمن شبكة معقدة من المصالح العائلية والمالية التي استنزفت خيرات البلاد.
قلاع الخارج وجدران الزوال
بيت المهاجرين وكرسي الرئاسة وواجهة البساطة كانت جزءاً من مشهد خادع، يخفي خلفه ثروات ضخمة وخططاً للهروب من مصير محتوم. بينما كان الشعب يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، كانت القصور والمزارع تُجهز في أوروبا وروسيا، في إشارة واضحة إلى أن حكم آل الأسد لم يكن مرتبطاً بسوريا كأرض أو وطن، بل كمشروع نهب مؤقت.
لكن، يظل بيت المهاجرين رمزاً لتناقض السلطة، بين الداخل المتواضع والقصور التي تنتظر أصحابها خارج الحدود. هذه الصورة تختزل فلسفة النظام التي قامت على الانفصال بين الظاهر والباطن، بين الادعاء بالوطنية والاستعداد للهروب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* في خضم العواصف السياسية وخطابات الكراهية التي تهبُّ على سوريا، يبقى الكورد راسخين على أرضهم، متمسكين بجذورهم وهويتهم التي عمرها آلاف السنين. من كوباني إلى عفرين، ومن قامشلو إلى حي الشيخ مقصود، يواصل الكورد الدفاع عن وجودهم، رغم كل محاولات التهميش والشيطنة. شركاء في الوطن لا عابرون فيه يُصرُّ البعض على وصف الكورد بأنهم غرباء أو ضيوف…

إبراهيم اليوسف التناقض بين المظهر والمخبر: إنه من المفارقات الغريبة أن يكون بيت بشار الأسد “العادي” موضع نقاش، في حين أن الواقع يعج بالقصص عن ثرواته الهائلة التي تتجاوز حدود التصور. بيت الرئيس السوري، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد، لا يعكس نمط حياة قادة استبداديين آخرين عاشوا وسط القصور الفارهة. لماذا بدا بيته عادياً مقارنةً بثروات المليارات التي…

حمدو يوسف يُعتبر اهتمام الولايات المتحدة والدول الغربية بشرقي الفرات في شمال شرقي سوريا نتيجة لمجموعة من الأسباب السياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي تجعل هذه المنطقة محورية في سياساتهم. تُعد المنطقة معقلاً سابقاً لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولذا فإن استقرارها يساهم في الحد من تهديد التنظيمات الإرهابية على الأمن الإقليمي والدولي. قوات سوريا الديمقراطية تلعب دوراً رئيسياً في هذا الإطار، وتحظى…

الكاتب: مجيد حقي الترجمة الى العربية: بوتان زيباري أدلى صبحي الطفيلي، الأمين العام الأسبق لحزب الله، بتصريحات مثيرة للجدل ومقلقة في خطاب تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا. واصفًا الشعب الكوردي بأنه “رأس الأفعى”، قال: “قطع رأس الكورد سيحل جميع المشاكل”. هذه التصريحات تعيد إلى الأذهان فتوى آية الله الخميني في عام 1979، والتي أطلقت حربًا شاملة ضد الكورد…