إبراهيم كابان
مدخل: الواقع السياسي وتحديات المرحلة
مع تسارع التطورات في المشهد السوري، أصبح من الضروري على القوى الكردية تجاوز خلافاتها الداخلية والانتقال إلى مرحلة جديدة من التوافق السياسي، حيث لم يعد الانقسام خيارًا مستدامًا في ظل التحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة. إن وحدة الموقف الكردي تجاه دمشق ليست مجرد ضرورة سياسية، بل هي حاجة استراتيجية لضمان دور فعال في مستقبل سوريا.
في ظل توازنات القوى الإقليمية والدولية، باتت القضية الكردية في سوريا أمام اختبار حاسم؛ فإما أن تنجح القوى الكردية في توحيد صفوفها ضمن مشروع وطني يضمن حقوقها، وإما أن تبقى منقسمة، ما يجعلها عرضة للتهميش والاستغلال من قبل الأطراف الفاعلة في الصراع السوري.
أسباب الانقسام الكردي وتحديات التوحيد
رغم وجود توافق عام بين الأحزاب والقوى الكردية حول المطالب الأساسية، إلا أن هناك عدة نقاط خلافية تعيق تحقيق الوحدة السياسية، أبرزها:
- التباينات الأيديولوجية والسياسية: تتوزع القوى الكردية في سوريا بين تيارات ذات توجهات مختلفة، منها القومية، واليسارية، والليبرالية، ما يؤدي إلى اختلاف الرؤى حول كيفية التعامل مع دمشق ومستقبل الحكم الذاتي الكردي.
- التدخلات الخارجية: تؤثر الأجندات الإقليمية والدولية على القرار الكردي، حيث تتلقى بعض الأطراف دعمًا من قوى خارجية، ما يساهم في تعميق الانقسام. فبينما تسعى بعض الفصائل إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي، يرى آخرون أن الحوار مع دمشق والاقتراب من موسكو هو الخيار الأفضل.
- التنافس على النفوذ والإدارة: يمثل توزيع السلطة داخل المناطق ذات الأغلبية الكردية نقطة حساسة، حيث تتنافس القوى المختلفة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها، ما يعقّد عملية تشكيل جبهة سياسية موحدة.
- المخاوف من التنازلات السياسية: هناك مخاوف لدى بعض الأطراف الكردية من أن تؤدي الوحدة إلى تقديم تنازلات قد تُضعف موقفها التفاوضي مع دمشق أو تؤثر على علاقاتها مع القوى الدولية الداعمة لها.
لماذا أصبح التوافق ضرورة ملحّة؟
- التغيرات السياسية في سوريا: مع عودة دمشق إلى الساحة الإقليمية والدولية، وبدء الحديث عن التسويات السياسية، أصبح من الضروري على الأكراد بلورة موقف موحد لضمان عدم إقصائهم من أي مفاوضات مستقبلية.
- الضغوط العسكرية والاقتصادية: تواجه مناطق الإدارة الذاتية تحديات اقتصادية متزايدة، فضلًا عن التهديدات العسكرية المستمرة، سواء من تركيا أو من قبل الفصائل المدعومة منها، ما يجعل التوافق السياسي عاملًا أساسيًا في تحقيق الاستقرار الداخلي.
- تراجع الدعم الدولي: رغم الدعم الذي حصلت عليه بعض القوى الكردية من التحالف الدولي خلال الحرب ضد داعش، إلا أن السياسة الدولية متغيرة، ومن غير المضمون استمرار هذا الدعم بنفس القوة. وبالتالي، فإن إيجاد تفاهمات مع دمشق قد يكون الخيار الأكثر استدامة على المدى البعيد.
كيف يمكن تحقيق الوحدة الكردية؟
- إطلاق حوار داخلي شامل: يجب أن تجتمع القوى السياسية الكردية على طاولة حوار حقيقي، بعيدًا عن التأثيرات الخارجية، للوصول إلى رؤية مشتركة حول القضايا الجوهرية.
- الاتفاق على حد أدنى من المطالب: بدلاً من التركيز على الخلافات، يمكن للقوى الكردية الاتفاق على المبادئ الأساسية التي تجمعها، مثل ضمان الحقوق الثقافية والسياسية، والاعتراف الدستوري بالوجود الكردي في سوريا.
- إدارة الخلافات عبر آليات مؤسسية: يمكن إنشاء مجلس تنسيقي كردي يكون مسؤولًا عن إدارة الخلافات الداخلية، بحيث لا تؤدي التباينات في وجهات النظر إلى انقسامات حادة.
- التحرك المشترك تجاه دمشق: يجب أن يكون هناك وفد كردي موحد في أي مفاوضات مع الحكومة السورية، لضمان تمثيل مصالح جميع القوى الكردية، وعدم السماح لأي طرف خارجي بالتفاوض بشكل منفرد.
ختام: هل تستجيب القوى الكردية للتحديات؟
الوضع الراهن لا يسمح بالمزيد من التأخير في تحقيق الوحدة الكردية، فكل يوم يمر دون توافق يعزز مخاطر التهميش السياسي ويضعف الموقف التفاوضي للكرد في سوريا. إن المرحلة تتطلب قرارات جريئة واستجابة سريعة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح الحزبية، لأن القضية الكردية لم تعد مجرد قضية محلية، بل أصبحت جزءًا من التوازنات الإقليمية والدولية.
في النهاية، فإن نجاح الكرد في توحيد صفوفهم سيحدد مدى قدرتهم على لعب دور فاعل في مستقبل سوريا، بينما سيؤدي استمرار الانقسام إلى تقليل فرصهم في تحقيق مطالبهم المشروعة. فهل ستكون هناك استجابة حقيقية لهذا التحدي؟