المنسف السوري، في عملية تدوير الخرائط

فرحان كلش
العملية الهادفة إلى تغيير الشرق الأوسط، أي خلق حلقات بشرية وسياسية هادئة وساكنة حول إسرائيل لم تكتمل بعد، مصادر الخطورة عليها مازالت متوفرة في بقع متعددة من هذا الشرق البائس.
فكيف من الممكن أن تشكل سوريا البدء الثاني بعد السابع من أكتوبر السنوار صوب المرحلة التالية من التدمير والبناء الذي توكل إسرائيل نفسها بها، هنا قد نكون في لحظة انتظار متوسطة لما قد يحدث سورياً من الزاوية السياسية.
فأغلب التقديرات تشير إلى أن الإدارة الجديدة ستسير ببطئ نحو الملفات الحساسة، أي تحت أنظار العالم، ومن خلال هذا الترسيم الهادئ لملامح سورية القادمة، ستتخذ إسرائيل وأمريكا الخطوات التي تناسبها وفق سلوك دمشق، فهل ستقدم دمشق كل التطمينات العملية على أنها فعلياً خارج ما سمي بحلف المقاومة، الذي كانت سورية جزء منه بل حلقة وصل بين أطرافه، وأنها ستكون ساتر سلام لحدود إسرائيل.
دون ذلك فكل أرضية إعادة الاضطرابات إلى سورية متوفرة ومتاحة، خاصة وإن سورية أمامها سنوات عدة لتستعيد العافية اقتصادياً وعسكرياً، هنا فجزء من المعادلة يكمن في توفير أمن إسرائيل و الخطوات التي يمكن اتخاذها ضد ايران و بقية حلفائها في العراق، والدور السوري في هكذا صراع محتمل.
حقيقة فكل الظروف تساعد الإدارة الجديدة في دمشق لتثبت أقدامها، بغض النظر عن إمكانية محاولتها لاحقاً تطبيق نموذجها الخاص في الحوكمة.
تبقى سورية في مثلث النار الشرق أوسطي والمكون من إسرائيل وتركيا وإيران، هذه القوى المتباينة الطموحات والتي تحاول أن تتزعم هذه المنطقة، كل طرف بطريقته الممكنة، فإيران عبر أذرعها المؤمنة بتصدير ثورتها ومحاولتها أن تكون دولة نووية جاهدت كي تنافس إسرائيل في الدور والوزن في المنطقة ولكنها تعرضت لعملية قص قاسية لأجنحتها فهبطت فعلياً إلى داخل عشها، ورغم أنها تحاول في عدة أماكن أن تسترد عافيتها التسلطية إلا أنها آيلة للتقزيم أكثر، وحتى تركيا ومنذ بداية الربيع العربي حاولت أن تتسيد العالم الإسلامي السنّي، عبر تدخلها السافر في كثير من الملفات التي اضطربت لأسباب متباينة، ولكنها الإخرى تعود إلى حجمها الطبيعي، فعملية الاستقرار طالما كانت سبباً هاماً في تراجع الدور التركي، إضافة إلى أزمتها الاقتصادية التي فرملت الكثير من رغباتها في التدخل في سؤون المنطقة، وفي هذا المحور علينا ألا ننسى أن دورها في سورية ينحصر الآن في قدرة مرتزقتها على مساعدتها ليكون لها موضع قدم فيها، خاصة بعد حالة النشاط التي ظهرت على الجسد السعودي في هذا الملف الحساس بالنسبة إلى الأتراك.
في العموم المنسف السوري اصبح ساماً على الإيرانيين وإلى حد ما قد يتسمم الأتراك منها في لحظة ما، وحدها اسرائيل ومن ورائها أميركا تستطيع أن تفرض مقامات الأغاني التي على دمشق أن تدندنها، وإن اعتبرتها دمشق حراماً فيمكن لإسرائيل أن تغير المغني في دمشق، إو تفرض عليه رقصة تفتيها هي بالقوة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

المحامي حسن برو يتكرر في المشهد السياسي الكردي شعار “من أجل وحدة الصف الكردي” مع كل انشقاق أو تأسيس حزب جديد يولد من رحم حزب أخر حتى بات هذا الشعار مرافق لمعظم البيانات والتصريحات الحزبية غير أن المفارقة تكمن في أن من يرفع هذا الشعار اليوم هو ذاته من كان سببا في انقسام لحزبه أمس وحركته لمرات عديدة فبتنا نحفظ…

د. محمود عباس إلى كلّ من باع الكلمة في سوق الارتزاق، وتنكّر لجغرافيا الحرية، ولبس قناع “الوطنية” ليمرّر الخيانة بوجهٍ منمّق، إلى موسى العمري، وأسعد الزعبي، ومن يدور في فلكهما من “العنصريين المأجورين” أمثال حسن الدغيم، وغيره، الذين تحوّلوا إلى أبواق لجهاتٍ تموّل الفتنة وتعيد إنتاج الكراهية، إليكم هذه الكلمات لا بوصفها ردًّا، بل شهادة إدانة. فأنتم لستم خصومًا سياسيين…

نظام مير محمدي * في وقت يحاول فيه المسٶولون في النظام الإيراني العمل بصعوبة بالغة من أجل تسيير الامور في البلاد حيث يبذلون قصارى جهودهم، لکن لا يبدو إن الحظ يحالفهم ولاسيما وإن النظام أشبه ما يکون بسفينة متهالکة تسعى للإبحار بسلام في بحر مترامي الاطراف في خضم عاصفة هوجاء غير مسبوقة. الملاحظة المهمة التي يجب أخذها بنظر الاعتبار والاهمية،…

نورالدين عمر منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، شهدت روجافا كردستان تحولات سياسية عميقة أثرت مباشرة على مستقبل سوريا والقضية الكردية. يبرز حدثان محوريان يساعدان على فهم هذا التحول. الأول: اتفاق 10 آذار 2025 بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي. هذا الاتفاق…